ضحايا حرب السودان.. بين الرصاص والأوبئة ونقص الغذاء
مريم أبشر
أسوأ ما في اختيار الحرب وسيلة لحل الخلافات هي أن من يشعلونها يتجاهلون أن تأثيرها سيطال شرائح ليست لها علاقة بها، بل إن بعضهم لا يدري، وليس له علم بمسبباتها، أو من هم الذين أوقدوا نيرانها التي التهمتهم بألسنتها اللاهبة. وهؤلاء هم الحلقة الأضعف، ويدفعون الثمن غاليا، وما أكثرهم في بلادي.
امتدت وتطاولت الشهور، وكادت تقترب الحرب من العام، حيث دخلت الشهر الثامن، ولا زال الأمل في حلها بعيدا، في ظل تباعد الأطراف واشتعال أوار حرب الكراهية والتحريض على مواصلة القتال، برغم الدمار والخراب وفقدان الأرواح البريئة ونزوح وتشرد الملايين.
باتت الأصوات ترتفع إقليميا وعالميا من قبل القوى المحبة للسلام، وترى أن الحوار وسيلة أنسب لحل الخلافات. كما ترى القوى المدنية السودانية في التفوض السلمي أفضل السبل لوضع حد لمسلسل العنف الذي لازم السودان منذ استقلاله، والبوابة الأوسع لاستعادة الحكم المدني الديمقراطي وتطبيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة.
اتساع دائرة القوى الوطنية والمدنية المطالبة بإنهاءالحرب، عضدته الأوضاع الإنسانية الحرجة التي تعيشها البلاد، ليس فقط في مناطق النزاع، وعلى وجه التحديد الخرطوم العاصمة وولايات دارفور، بل أصبح يهدد كل ولايات السودان في ظل توقف عجلة الحياة وازدياد حالات النزوح مع اتساع رقعة الحرب.
تردي الأوضاع الإنسانية وصل درجة الخطورة، بل أن عددا كبيرا من المدنيين المحاصرين في مناطق النزاع فقدوا أرواحهم، إما بسبب نقص الغذاء وانعدامه أو بشح الدواء، فيما يتهدد المجهول الملايين من طلاب المدارس والجامعات.
الدكتور المحامي والخبير القانوني في مجال حقوق الإنسان، أسامة مهنا، قال في معرض تقييمه لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، إن أقل ما يوصف به الوضع أنه كارثي، سيما في الولايات الحدودية، مثل غرب دارفور في الحدود مع تشاد وجنوب السودان، حيث تفشت الكوليرا والجوع، مضيفا أن هذا الوضع هو السائد حتى في أمدرمان التي تعيش وضعا مأساويا في ظل الحصار، مشيرا إلى أن ما رشح في الأخبار يشير إلى أن المدنيين بأحياء (بانت والعباسية والموردة وحي الضباط) يواجهون حصارا من جميع الاتجاهات، وأن الحصار تسبب في شل حركة المواطنين وأعاق دخول المواد الغذائية والمياه، وأن هناك انقطاع تام للكهرباء، فضلا عن وجود أزمة حادة للمياه بحاضرة شمال كردفان، الأبيض، وانقطاع تام للتيار الكهربائي والاتصالات.
وقال إن الأخبار حملت أيضا ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بالكوليرا وانتشار للوباء بكافة ولايات السودان، وأنه ولأول مرة منذ بداية الحرب تحمل الأخبار ذعرا وهلعا ونزوحا من ولاية النيل الأبيض بسبب اقتراب الحرب من الولاية، سواء من اتجاه الخرطوم، جبل أولياء، أو من جهة شمال كردفان.
وقال مهنا إن انقطاع المياه وحده يعني انعدام الحياة تماما، فضلا عن أنه لا يوجد أي سبيل لإجلاء المصابين والمرضى، وهذا يحتم الموت أكثر من فرص الحياة. وقال إن الأمم المتحدة دقت ناقوس الخطر وتحدثت عن آلاف الجوعى، وحدد تقريرها أن 10 آلاف مدني لقوا حتفهم جراء الحرب، واصفا الرقم بالكبير للغاية، سيما وأن الحرب لم تكمل العام حتى الآن، واضعين في الاعتبار الالتزام القانوني الدولي والإنساني والأخلاقي الواقع على المتحاربين بضرورة حماية المدنيين أثناء الحرب وتجنب كافة الأفعال التي تجعل المدنيين ضحايا للحروب كما ورد في القانون الدولي الإنساني (قانون الحرب) و(قانون حقوق الإنسان).
وتابع الخبير في الشأن الإنساني: بل وحتى ولايات الوسط والشمال والشرق هي الأخرى ليست بأفضل حال نسبة لتحملها نسبة عالية من النزوح يفوق حجمها وإمكانياتها، في ظل عدم انسياب للمساعدات الإنسانية بسبب عدم وصول الأطراف حتى الآن لصيغة ما لانسيابها.
ونبه لتردي أوضاع بعض النازحين في الولايات، لافتا إلى أن بعض الولايات أخرجت النازحين من المدارس التي كانوا يقطنون فيها مؤقتا، بجانب دخول فصل الشتاء. وهذا يعني أن النازحين الذين أخرجوا من المدارس سيهيمون على وجوههم، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ما يعني أن هنا كارثة إنسانية تقترب ولا مثيل لها في تأريخنا القريب.
وخلص الخبير في الشأن الإنسانى بتشديده على أن الأمر المثالي والمطلوب حاليا هو وقف إطلاق النار بأي شكل من الأشكال، أو على الأقل كحد أدنى إلزام أو التزام طرفي القتال باحترام القانون الدولي الإنساني (قانون الحرب) وإيقاف حصار المدنيين الذي يتسبب في تجويعهم وعطشهم، والامتناع عن القتال داخل الأحياء الذي يعرض المدنيين للموت مباشرة.
وقال إنه لابد من إلزامهم بفتح ممرات آمنة لانسياب المساعدات الإنسانية، وكذلك لإنقاذ المرضى والمصابين لعلاجهم، معتبرا ذلك هو الحد الأدنى لحمايتهم وأبسط الحقوق التي يلتزم بها المتقاتلون وفقا لقانون الحرب، بل وينبغي أن يلتزموا أيضا باتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الإضافية التي تهدف لحماية المدنيين في الحرب، ويمتد إنسانيتها إلى تقليل وتخفيف المعاناة على المتقاتلين أنفسهم.