الموت جوعا في الخرطوم
عثمان فضل الله
نعم لا ترفع حاجب الدهشة صديقي التقي الورع، الذي منذ أن عرفته يتقى الحرام في ملبسه ومشربه ومأكله. يدقق لدرجة التشدد في ذلك. اتصل بي اليوم صباحا وهو منزعج وصوته يتهدج قائلاً لأول مرة سيتناول وجبة لايدري احلال هي أم حرام. سألته وانا أعلم مدى حساسيته تجاه الحرام والحلال: كيف يازول قول بسم الله مالك؟
بدأ في سرد ما يعانيه وهو من الذين أجبرتهم الظروف للبقاء في الخرطوم وهي ظروف معقدة جدا. المهم بدأ قصته بالقول:
يا ندخل في المشتبهات يا نموت بالجوع. انا لو على نفسي مستعد اموت جوعا ولكن ماذا عن البنيات ياعثمان؟ واستمر: لم تكن الحياة سهلة. استدنا بالقدر الذي ظننا لانستطيع بالعقل سداده ولكن رحمة الله واسعة. ضاقت مصادر ومسارات الدّين او قل لم يبقى لاحد ما يمكنه من مساعدة آخر. فالناس الآن ميسورهم ومعسروهم باتوا على خط متساو، فكلهم الآن باتوا فقراء. آخر مبلغ جانا من شقيق المدام وهي عشرة آلاف جنيه. أن أردنا أن نشتري بها احتياجات من البقالات قد لا تكفينا يوماً واحداً، ونحن كما تعلم أسرة من ستة أشخاص، المدام وانا والبنات الأربعة. فكرت ثم قدرت وقررت واسأل الله ان يغفر لي ولكنها الحوجة.
أخذت العشرة ألف جنيه وذهبت أسواق البضائع المسروقة. اشتريت بها سلعا تكفي لعدد من الأيام. والله ياعثمان بعد انتهيت من الشراء دونما أشعر انهرت ودخلت في موجة بكاء هستيري جعل عدداً من الناس الموجودون بالسوق يلتفون حولي. بعضهم ظن أن ما اشتريته لن يكفي فتطوع بعضهم، قسما ما أقوله لك الحقيقة، بشراء المزيد من السلع. بل الذي جعلني ازداد في البكاء أن بعض الذين اشتريت منهم السلع اعادوا لي المبلغ واقسموا ألا يعيدونها.
عدت الي البيت ومعي سلع تكفينا اسبوعين وخمسة الف جنيه. أعلم أن هذه السلع مسروقة وأعلم أن شراءها حرام، ولكن ماذا أفعل؟ لا أدري هل سيغفر لي ربي ام سيعاقبني. لا أدري هل ما سيدخل في جوف بناتي البربي فيهم بالحلال حتى أدخل بهن الجنة هل هو حلال أم حرام.
وختم، ياعثمان امانة في ذمتكم اشتغلوا قدر ما تقدروا عشان الحرب دي تقيف.