
الصورة: مواطنون
احترق للمرة الثانية.. سوق 6 ينهض من تحت الرماد
مواطنون - على الطاهر
يمثل سوق 6 الوحدة الوطنية بالحاج يوسف شرقي العاصمة السودانية الخرطوم، تظاهرة شرائية هامة ذات سمعة، ولكن عندما اندلعت الحرب، سيطرت عليه قوات الدعم السريع فسقطت سمعته في الحضيض وتلطخ اسمه بعدما فتحت غالبية المحلات التجارية أحضانها لاستقبال بضائع مسروقة، سلع منهوبة، ترويج المخدرات، وتجارة العملة. وبات أشبه بأسواق دقلو التي تحلل السرقة تحت لقب "الشفشفة"، بعيدًا عن ضوابط البيع المشروع. ولكن عندما اشتدت المعارك الطاحنة التي شهدتها المنطقة تم نهب وحرق السوق بأيدي لا زالت مجهولة حتى يومنا هذا.
احترق السوق عن بكرة أبيه، وتحول التجار الذين كانوا يسيطرون عليه إلى ضحايا. اعتزل بعضهم المهنة، فيما سافرت مجموعة أخرى وتركت كل شي، ولكن الغالبية تعامل مع الوضع بواقعية وعادوا للعمل من نقطة الصفر.
"محمد الحافظ" شاب مجتهد وطموح، دائمًا ما يهتم بمظهره ومظهر محلاته التجارية المحتشدة بالأدوات الكهربائية والمنزلية. وعلى رأس محلاته التجارية فوق المبنى المكون من متجرين يرفع لافتة مكتوب عليها "السعيدي"، وهي بمثابة ماركة تجارية معتمدة عند زبائنه، الذين يسجلون زيارات مستمرة إليه الواقعة في الناحية الغربية لمدخل السوق.
هذه الأماكن الوحيدة التي لم تصلها ألسنة اللهب. نجت بأعجوبة من المحرقة، ولكنها لم تسلم من أيدي اللصوص الذين نهبوا أحشائها قبل أن يتركوا المبنى خاليًا مشرع الأبواب، شاهداً على الجرائم، والمجرمين الذين حطموا إرادة صاحبه وتسببوا له في خسائر مالية كبيرة تقدر بمليارات الجنيهات. خرج من السوق معدمًا محبطًا، وجلس داخل منزله تحت حصار الفلس والديون.
تعرض سوق 6 الوحدة الوطنية بالحاج يوسف منذ نحو ستة أشهر لحريق هائل مدمر، التهمت نيرانه المشتعلة 5 أيام، المحلات التجارية وأكلت الأخضر واليابس داخل السوق الذي أصبح كوم رماد، ولون داكن مائل إلى السواد طبع على جدران المباني المتصدعة من شدة الحرارة التي صهرت الحديد والتهمت البضائع التجارية والسلع.
النار المشتعلة لم تفرق بين تجار الجملة وتجار التجزئة، ولم تستثن البوتيكات ومنافذ بيع التوابل، حرقت كل شئ حتى رؤوس الأموال. لكن السوق نهض اليوم من تحت الرماد، ووقف على أرجله، استعاد نشاطه، ودبت الحياة في أطرافه، وبدأ قلبه ينبض بحركة تداول الشراء والبيع. استيقظ الجانب الشرقي من السوق، وفتحت ملجة الخضار أبوابها، وجددت البوتيكات واجهات محلات الملابس الجاهزة بعدما استخدمت وسائل وطريقة عرض مبتكرة، وظلت الواجهات الزجاجية تلفت أنظار الزبائن، فيما ازدهرت أسواق السمك والدجاج واللحوم الحمراء في أسفل السوق، وشمل الحراك حرفًا ومهن كثير استعادت نشاطها وحيويتها.
السوق شهد أيضًا حركة ترميم وصيانة للمحلات المحروقة، والمتاجر المحطمة، التي تم إعادة صيانتها وترميمها بشكل يواكب المرحلة ويساهم في عرض البضائع. وقال يوسف الذي يمتلك بوتيك وسط السوق تم حرقه بالكامل "بعيدًا عن قيمة البضاعة التي احترقت وضياع رأس المال، إن عملية الصيانة وحدها كلفتني 4 مليارات، وهو مبلغ كبير أدخلني في دوامة من الديون. وعن التعويض قال يوسف بحسرة "العوض على الله."
أما فيصل إبراهيم، الذي يبحث الاستشفاء للعودة لمزاولة نشاطه في السوق، فقد خسر عطارته المليئة بالمستحضرات العشبية تم نهبها بنجاح، قبل أن تحترق، لم يبق في جوف دكانه حبة خردل.
هذه النماذج المأساوية لم تكن الوحيدة لمحرقة سوق 6 الحاج يوسف، فهناك الكثير من المشاهد التي لم تستطع الكلمات تصويرها بشكل دقيق بعد الحريق الذي يعد الثاني في تاريخه، عقب أحداث مقتل الدكتور جون قرنق 2005، ولكن هذه المرة الحرب هي التي حرقت السوق بالكامل، وليس جزءًا منه مثل مقارنة بأحداث رحيل المناضل الجنوب سوداني.