
الصورة: من فيسبوك
مذكرة عاجلة إلى قسم المعاناة البشرية – ملف رقم 731
لؤي الفكي
تقرر أن تُوزع وجبات الطعام اليوم، حسب الجدول الذي أعدته لجنة الأمل المفقود، إلا أن الطابور، كما هو معتاد، لم يلتزم بالجدول الزمني، وربما لأن لا أحد يعلم بالجدول أصلاً، فقد كان معلّقًا على جدارٍ يتساقط منه الطين، وتُقيم فيه قطة هرِمة تنام قرب مسمارٍ صدئ.
المئات من المواطنين، أو ما تبقى منهم، تجمّعوا أمام تكية بليلة بأم درمان. لم يأتوا حبًا في العدس، بل لأن الجوع – كما يُقال – أكثر إقناعًا من الخطابة. نساء بوجوه يابسة، يخبئن ضياعهن تحت أثواب فقدت لونها الأصلي، وأطفال بأعين واسعة تسأل: "هل ما زال هناك غد؟"، وشيوخ لم يعودوا قادرين على الوقوف، فاتخذوا من الانتظار كرسيًا، ومن الصمت وسادة.
لا أحد في المكان يعرف متى بدأت الحرب، ولا متى ستنتهي، لكن الجميع يعرف أن الوجبة – إن وُجدت – لا تكفي. يعرفون أن الطهي يتم خارج الزمن، وأن الطابور لا يتحرك إلا حين يغفو أحدهم أو يسقط.
صراخ طفلٍ أحدثَ اضطرابًا طفيفًا في الطابور. أراد شيئًا بسيطًا: رشة ملح. لكن الملح، قيل له، "فيه مضاعفات وطنية". ضحك بعض الحاضرين، ضحكة جافة تنتهي في الحلق. لم تكن ضحكة سخرية، بل مقاومة يائسة للتعفّن.
عند الغروب، توقفت المغرفة عن الغرف. قيل إن الطعام نفد. وقيل إن التكية استُدعيت لأمرٍ طارئ في مكان آخر أكثر جوعًا. لم يعترض أحد، فقد اعتادوا أن يُستثنَوا من الطوارئ.
النساء جمعن أطراف أثوابهن، الأطفال عضّوا على أصابعهم كي لا يبكوا، والشيوخ نظروا إلى الفراغ كما لو أنهم يرونه لأول مرة.
توصية:
إغلاق الملف مؤقتًا، حتى إشعار لا يأتي. نقل الواقفين إلى قائمة الانتظار، والمنتظرين إلى سجل "من تبقوا". لا حاجة للردود، فقد نسوا السؤال.
انتهى التقرير،
لكن الورقة طارت، واستقرّت في بركة ماء راكد، حيث لم يقرأها أحد.