30/07/2025

الصورة: مجلس حقوق الانسان OHCHR 

الخبير المستقل، ``كلاكيت`` الزيارة الثانية

<p>خالد ماسا</p>

خالد ماسا

وفي نهايات العام ٢٠٢٢م، كانت حالة حقوق الإنسان في السودان تستدعي أن يقوم المفوض السامي لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة بتعيين "خبير" معني بهذه الحالة، ووقتها كانت صفحات دفتر الحالة السودانية مُعبّأة بانتهاكات ما بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، وصدور المتظاهرين السلميين تتلقى الرصاص الحي، والاستخدام المُفرِط للقوة يسجل أرقامًا مخيفة في سجل الشهداء، ومحاكم الطوارئ التي أُنشئت على عجل من أمر السلطة ظلت تنتظر بشغف القمع المتصاعد ضد المعتقلين، لتودعهم السجون، وتنتزع عنهم الحقوق في التعبير، ولا نصير سوى صوت الشارع وأقلام يتهددها ذات القانون، ومحامو الطوارئ يسعون بين مخافر الشرطة وزنازين الاعتقال وقاعات المحاكم للترافع والسير في إجراءات الضمان.

تأسيسًا على هذا الحال، وقبل نحو شهرين من اندلاع حرب أبريل ٢٠٢٣م، قام الخبير المعيّن لحالة حقوق الإنسان، رضوان نويصر، بأول زيارة له للسودان، وقف فيها ميدانيًّا على حالة ملف حقوق الإنسان في السودان.

حالة حقوق الإنسان، التقرير الأول

وفي دورة مجلس حقوق الإنسان الثامنة والخمسين، دخل المفوض السامي لحالة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى قاعة المجلس، وملف الحالة السودانية مثقل بما حدث بعد شهرين من الزيارة الأولى للخبير للسودان، وهو الشيء الذي جعل من ما حدث قبل الحرب مجرد نُزهة مقارنة بما حدث بعدها.

اندلعت حرب أبريل لتقطع الطريق أمام الخبير رضوان نويصر وأمام مجهوداته لترميم الحالة التي عُيّن مسؤولًا عنها، فلقد دهسها قطار الحرب الذي خرج عن قضبانه، واتسعت مع ذلك رقعة الانتهاكات، واستعصى عليه وعلى المهتمين في المجتمع المدني الرصد والتوثيق، وذلك لأن أجواء الحرب تفرض حالة من "العمى" الوطني والدولي، وتُرتكب فيها انتهاكات جسيمة لا يكون المتسببون فيها حريصين على أن يرصدها أو يطّلع عليها الخبير الأممي أو يوثّقها في تقريره الأول، والذي يشمل الفترة من ديسمبر ٢٠٢٣م وحتى نوفمبر ٢٠٢٤م.

أعدّ الخبير الأممي التقرير، وسلّم السلطات السودانية نسخة منه، بحسب العرف المتبع في ذلك، للاطلاع عليه وإبداء الملاحظات، وهو ما لم يحدث حتى التاريخ المضروب لذلك.

وبقدر ما هو متاح من مصادر للخبير، سواء في المفوضية أو في الميدان، من ضحايا الانتهاكات أو بعثات الرصد التي أوفدها لدولة تشاد ومنطقة آبيي، صاغ التقرير ورصد فيه الحالات، وذكر التعقيدات اللوجستية التي واجهتهم في مهامهم، وفي مقدمتها التهديدات الأمنية وصعوبات الحصول على التصاريح. وفاقم اتساع رقعة الحرب من هذه الانتهاكات، وجعل مسألة الوصول للضحايا وأخذ إفاداتهم أمرًا غاية في الصعوبة، إضافة إلى انقطاع الاتصالات.

يأتي السؤال هنا، والخبير الأممي رضوان نويصر يعيد البصر كرتين في ملف حالة حقوق الإنسان في السودان بتسجيل زيارته الثانية (٢٧ / ٣١ يوليو ٢٠٢٥م): ما هو الجديد في مؤشر حقوق الإنسان في السودان؟ وماذا عن التوصيات المقدمة من طرفه في التقرير الأول قبل عام؟ وهل ثمّة تطوّرات في الملف؟ إذ لا زال هنالك مختفون قسريًا، وأحوال أسرى ومعتقلين لم يظهروا أمام العدالة، ونساء وأطفال تُمارَس ضدهم انتهاكات حرّمها القانون الدولي، وهنالك مناطق مقفولة بأمر الحرب ومدنيون محرومين من حقهم في المستندات الرسمية لم تصلها لجان الرصد والتقصّي، ولاجئون ونازحون لم يُفتح الطريق إلى أماكن تواجدهم لمرور المساعدات الإنسانية، وهنالك حالة إفلات من العقاب لحالات موثّقة، تُصبح مصدر إغراء لمنتهكين بالاستمرار فيما قاموا به تحت غطاء الحرب.

الآلية الوطنية لحقوق الإنسان

تفاءل الكثيرون إبان الفترة الانتقالية بقرار تشكيل الآلية الوطنية لحقوق الإنسان، وظنوا خيرًا بأن القرار هو جزء من الضوء في آخر نفق الانتهاكات لحقوق الإنسان في السودان، للدرجة التي شملت فيه التعديلات في تشكيل الآلية إضافة فاعلين جدد، من بينهم ما سُمي بوحدة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بقوات الدعم السريع. إلا أن أجواء الحرب كانت أكبر من قدرات الآلية، لتُسجّل الحالة السودانية أدنى مستويات التمتّع بالحقوق، وتعرف الحالة السودانية جديد الانتهاكات في المحاكمات الميدانية والقتل على أساس الهوية.

بوصفه المأساوي لحال حقوق الإنسان في السودان، ومستوى الانتهاكات بالمرعب، اختتم الخبير المستقل رضوان نويصر إفاداته الصحفية قبل عام، وها هو يعود، ولا نتوقع غير أن حالة حقوق الإنسان وتوصيفات الخبير المستقل أن تظل كما هي، وتقرير يُقدَّم في مارس ٢٠٢٦م لا يغطي 10% من المطلوب تغطيته في الحالة السودانية.

ما المطلوب في ملف حقوق الإنسان في السودان؟

تظلّ الثوابت في هذا الملف المستعصي على الآلية الوطنية والمنظمة الدولية بخبيرها المستقل، هي: ضمان الحماية للمدنيين في ظل استمرار النزاع، واستعجال فتح المسارات الإنسانية لدخول المساعدات والإغاثة للمحتاجين إليها، ووقف التضييق على المنظمات المدنية والإعلام، ومعالجة ملف الأسرى والمعتقلين، وضمان توفّر محاكمات لكل الجهات والأفراد المتورطين في الانتهاكات، والعمل بشكل جاد وحقيقي لإيقاف الحرب التي تمثّل المدخل الأساسي للانتهاكات.

معرض الصور