
نبش المقابر العشوائية .. أسرار مدفونة مع الجثث
مواطنون - الحاج يوسف
عظام نخرة بعضها ملفوف بقطعة قماش دون كفن، والبعض الآخر يتوسد التراب. بين هذه الجثث المدفونة بشكل عشوائي، مدفونة أسرار وقصص مأساوية لضحايا أزُهقت أرواحهم غدرًا، أو دفنوا أحياء دون ذنب جنوه. وبدلًا من تكرم أجسادهم بطريق تليق بقيمة الإنسان، تم التعامل معهم بطريقة عشوائية، لا تمت للإعراف بصلة، ولا تتماشى مع مراسم التشييع المعتادة في مجتمعات المدن والمناطق الريفية داخل السودان الذي شهد حربًا طاحنة بين الجيش السوداني والدعم السريع قلبت موازين الحياة في البلاد.
المدافن العشوائية المنتشرة بمنطقة الحاج يوسف - شرق النيل شرقى العاصمة السودانية الخرطوم، التي كانت مسرحًا للمواجهات الشرسة بين الجيش والدعم السريع، نشرت رائحة الموت في كل مكان، وأفرزت مخاطر بيئية دفعت المسؤلين للتعامل معها حاليًا باحترازات معينة. واستخدمت وحدات متخصصة لنبشها ونقل رفاة الجثامين إلى المقابر الرئيسية في البنداري، القبة، وربما التكامل أو ود دفيعة.
أحياناً تضم المقبرة العشوائية الواحدة في داخلها أكثر من جثة لإمراتين معًا، أو رجلًا وطفلًا، وربما مجموعة يفوق الثلاث فيما يسمى المدافن الجماعية. ففي حي البركة بالحاج يوسف، بعد نبش مقابر عثروا على 120 جثمامًا مطوية داخل مقابر جماعية وأخرى فردية قد تكون داخل منزل، أو فناء حديقة.
تتواصل حملات النبش الآن في مربعات الأمتداد الحاج يوسف، ففي يوم الاثنين تم نبش "12" جثة، بينهم امرأتين في مربعات 9 ، 5 الإمتداد، وحي الفلاح مربع 1، فيما لا يزال العمل جاريًا بأيادي الطب الشرعي ومراقبة عدلية لنقل بقية الجثامين التي ترقد في مقابر متفرقة داخل مربعات 6, 8، 18، 19، 20 الأمتداد الردمية الحاج يوسف..
تحت السور الغربي لمدرسة النور بنين بمربع 20 الردمية، يرقد قبر وحيدًا يأوي بداخله جثة الشاب "صلاح"، الذي تعامل معه أفراد من الدعم السريع مثل الطريدة في الغابة، بعدما أصابوه برصاصة من مسافة بعيدة على مستوى الفخذ، فسقط في الميدان.
تقول الرواية إن الجناة لحقوا به وتحدثوا معه، لكنه لم يعرهم اهتمامًا، فثقبوا ظهره بست رصاصات أودت بحياته في الحال. تركوا الضحية جثة هامدة وظلوا يبحثوا عن شهود عيان لإزالة أثار الجريمة، لكن المواطنين اختفوا من الشوارع والطرقات رغم أن الوقت كان يشير إلى الخامسة مساءًا. انتظر أهل الحي حتى المساء ثم حملوا الجثة ودفنها في السور الغربي للمدرسة، بعدما تعذر الذهاب إلى مقابر البنداري، وبعد ذلك خرجت روايات متعددة حول أسباب موته ولكن لم يعرف أحد ما هي الحقيقة.
كذلك لم يِنج "توتو" الذي يسكن في نفس المربع من أيدي الغدر، وذلك عندما أطلقت عليه مجموعة من "الدعامة" الرصاص، هو ورفيقيه اللذين كانا يبحثان معه عن الماء بمربع 2 المجاور. سقط الثلاث بإصابات متفاوتة من وابل رصاص قاتل. تركهم الجناة ينزفون حتى الموت. حاول أهالي الحي اسعافهم إلى مستشفى البان جديد، ولكن فشلوا في إنقاذ حياة اثنين منهم. مات " توتو" وزميله الثاني، فيما نجي الثالث، ولكن الذي ظن أنه نجى منهم لم يكشف حتي اليوم تفاصيل ودوافع تصفية زميليه بهذه الطريقة المأساوية .
في مربع 2، المتاخم لمستشفى البان جديد أشهر المشافي في شرق النيل، هاجمت مجموعة من قوات الدعم السريع عدد من شباب المنطقة. أجبرتهم على الجلوس على الأرض، وتم تفتيش هوياتهم بطريقة مذلة قبل أن يتهمونهم بعدد من التهم الخطيرة.
لم يكن الشاب "محمد" يحمل أوراقه الثبوتية، تركها داخل المنزل الذي يجلس أمامه. عدم وجود اثبات الهوية كان سببًا كافيًا لإطلاق النار عليه وإصابته في الفخذ. ظل الشاب ينزف حتى الموت، ثم دفنت جثته داخل النادي "روضة أطفال". الغريب في الأمر، أن "الجنجويد" عادوا مجددًا بعد أقل من شهر لنبش قبره، وهم يظنون أن الأهالي أخفوا تحت جثة الشاب كميات من الذهب والمجوهرات. لم يعثروا على الغنيمة، ولم يعثر الأهالي على الشخص الذي أرسل البلاغ الكاذب.
تم العثور على رفاة الموتى وجثث الضحايا، ولكن هل يمكن أن يتم القبض علي الجناة، أم تسجل هذه الجرائم ضد مجهول ويدفن سرها مع أصحابها للأبد.