18/07/2025

مأساة مليلية: ناجٍ سوداني يوثق المأساة في ``جمعة الموت``

المصدر: infomigrants.net
رغم مرور ثلاث سنوات على نجاته من أحداث مليلية الدامية، لكن الماساة لا تغيب عن ذاكرة اللاجئ والناشط السوداني الحافظ ترجوك. بل وجد نفسه يوثقها في كتاب "جمعة الموت"، علّها تكون "رواية من أجل العدالة".

وقعت المجزرة في 24 يونيو 2022، عندما تجمّع مئات المهاجرين غير النظاميين، معظمهم من السودان، عند السياج الفاصل بين مدينة الناظور المغربية وجيب مليلية الإسباني، محاولين عبوره جماعيًا. انتهى الأمر باشتباكات دامية أودت – بحسب الرواية الرسمية المغربية – ، بحياة 23 شخصًا، بينما تؤكد منظمات حقوقية أن العدد بلغ 37 قتيلًا على الأقل، فضلًا عن عشرات الجرحى والمفقودين.

يُقدّم ترجوك في كتابه الصادر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تفاصيل قد تكون تروي لأول مرة لأحداث مليلية من وجهة نظر أحد المشاركين فيها. يروي تفاصيل محاولة الهروب الجماعي الذي لم يكن وليد لحظة، بل نتيجة خطة أعدّها مسبقًا مهاجرون لاجتياز السياج. من خلال شهادته، ينقل ترجوك صوت الضحايا من رفاقه المهاجرين، في محاولة لتوثيق المأساة والسعي نحو تحقيق العدالة لمن قضوا خلال تلك الأحداث، كما يقول في مقابلة مع مهاجر نيوز.

من الفاشر إلى مليلية
ولد ترجوك (مواليد 1998) في مدينة الفاشر شمال دارفور. بعد حصوله على الثانوية عام 2019، سافر إلى مصر بحثًا عن مستقبل أفضل، حيث درس اللغة الإنجليزية والتحق بكلية الطب بمنحة من مفوضية اللاجئين، لكنه لم يكمل عامًا في دراسته، قبل أن يعود أدراجه إلى السودان نهاية 2020.

بيد أن الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة دفعته مجددًا في أكتوبر 2021، "أن يغامر من أجل حياة أفضل"، واضعًا بريطانيا هدفًا نصب عينيه. وللوصول إليها، بدأ رحلة معقدة، سلك فيها طريق صحاري وجبال منطقة الساحل وغرب أفريقيا، متجنبًا المرور عبر ليبيا نظرًا للعنف الذي يتعرض له المهاجرون هناك.

اختار ترجوك طريق المغرب، شأنه شأن الكثير من المهاجرين من شرق ووسط أفريقيا. اجتاز الحدود السودانية إلى تشاد، ثم النيجر ومالي، مرورًا بموريتانيا، حتى عبر إلى مدينة الداخلة في الصحراء الغربية على المحيط الأطلسي. تبدو رحلة عادية لكنه "مليئة بالأهوال، ومحاولات الهرب من عساكر حرس الحدود وكلابهم".

من هناك، انطلق إلى أقصى الشمال المغربي ليكون قريبا من نقاط عبور المتوسط، ليمرّ عبر مدن مراكش والرباط والفقيه بنصالح، هناك بدأ محاولاته لاجتياز السياج "مرة عبر مليلية، ومرة عبر مدينة سبتة، ولكن كان حرس الحدود يمسك بي ويعيدني إلى وسط المغرب"، يقول ترجوك. لكنه لم يحيد عن هدفه بالوصول إلى السواحل الإنجليزية.

"كنا ننام في الشوارع تحت المطر والبرد. لكن المغاربة لم يقصروا معنا في الطعام واللباس، وكنّا نعمل باليومية ونرسل نقودًا لأهلنا"، يصف ترجوك الحياة في المغرب.

لم يكن ترجوك وحيدًا في حلمه، بل هناك مئات آخرين جمعهم أيضا هدف اجتياز السياج. بيد أن فشل المحاولات الفردية للهجرة مع يقظة حرس الحدود المغربي والإسباني، دفعت هؤلاء المهاجرين إلى تنظيم أنفسهم والتحضير لهروب جماعي، كما يقول ترجوك.

"كان الأمر أشبه بفيلم سينمائي"، يقول ترجوك إن التخطيط للهروب استغرق 3 أشهر. وتحديدا من 3 مارس 2022، حتى لحظة وقوع الأحداث في 24 يونيو 2022. ويقود المغامرة السرية، مهاجرون سودانيون وتشاديون بالدار البيضاء في شبكة مافيا من ثمان مجموعات موزعة على عدة مدن مغربية. تضم كل مجموعة: قائد، ونائب وأمين مالي، وأمين خدمات، مهمتهم ترتيب رحلة الهجرة، وتوفير المؤن وحشد المهاجرين الراغبين في اجتياز السياج في مناطق التركينة (نقطة التجمع السرية).

يقول ترجوك: "كنا قرابة 1700 مهاجر، غالبيتهم من الجنقو السودانيين، ومهاجرين من تشاد ومالي والنيجر وكينيا وبوركينا فاسو. تمركزنا في جبل غوروغو المطل على الناظور، بانتظار لحظة العبور".

لكنهم اصطدموا بقوات الأمن المغربية والإسبانية، التي بدورها استخدمت بالغاز المسيل للدموع، الرصاص المطاطي، وضربات مميتة بالهراوات. وذكرت منظمة العفو الدولية، أن الأساليب التي استخدمتها السلطات المغربية أسهمت في وفاة ما لا يقل عن 37 شخصًا وإصابة عشرات آخرين. فيما لا يزال في طي المجهول مصير ومكان ما لا يقل عن 77 شخصًا ممن حاولوا العبور في ذلك اليوم. لاحقًا، أصدرت محكمة مغربية في يوليو/تموز أحكامًا بالسجن 11 شهرًا ضد 33 مهاجرًا بتهم من بينها "الدخول غير القانوني" و"إضرام النار في الغابات" و"مهاجمة القوات العمومية".

"نجوت من الموت بأعجوبة، حتى أنني كدت أن أفقد عيني بعد تعرضي لضرب مبرح من القوات المغربية"، يقول ترجوك. بعد اعتقاله، نُقل إلى مدينة الفقيه بنصالح، حيث أمضى هناك سبعة أشهر يعمل في أعمال مؤقتة.

اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 زاد من تعقيد وضعه، "لم يعد بإمكاني العودة إلى بلدي". ليعود لمغامرته، ولكن هذه المرة، عبر تونس التي دخلها عبر الجزائر سيرًا على الأقدام. استقر في مدينة صفاقس لمدة شهر، حاول فيه مرتين عبور البحر نحو أوروبا، قبل أن ينجح في الثالثة. في 1 سبتمبر 2023، استقل قاربًا لا يتعد طوله 18 مترًا مع 36 سودانيًا آخرين، عبروا المتوسط نحو جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

"كنا منظمين، نوزع المياه والطعام، ونتناوب على النوم داخل القارب. في اليوم الثاني، كادت الأمواج أن تبتلعنا"، يتذكر ترجوك الأيام الثلاثة التي قضاها وسط البحر. بعد 12 يومًا في إيطاليا، و5 أشهر في كاليه الفرنسية، وصل أخيرًا إلى يوركشاير البريطانية في مارس 2024.

رواية من أجل من لم يصل
بعد وصوله بريطانيا ببضعة أشهر، كتب ترجوك شهادته عن الحادثة في رواية تحمل اسم "جمعة الموت" ــفي إشارة إلى اليوم الذي وقعت فيه الأحداث، وهي مزيج من التوثيق والسرد الشخصي بلغة عربية بسيطة تمزج بين الفصحى واللهجة السودانية.

يقول: "بعد أن نجوت من الحادثة وجدت نفسي حرًا وأتنفس في إحدى المدن المغربية، جلست لوحدي أتذكر تلك الحادثة، وما كان سيحدث لي، والكثير من الرفاق الذين قتلوا، قلت حينها: يوما ما سوف أكتب عن هذه الحادثة كتذكار للرفاق الذين عاشوها".

رغم أن الحدث المحوري هو حادثة مليلية، إلا أن الكتاب، الذي جاء في 13 فصلا، يغوص أيضًا في أسباب هجرة الجنقو (مصطلح سوداني يطلق على العمال الموسميين المهمشين) السودانيين على لسان أحدهم، والمسارات الخطيرة التي يقطعها اللاجئون من الصحارى إلى المدن، ومن الغابات إلى عرض البحر.

"حاولت جاهدا أن أكتب ما رأيته في هذه الحادثة وحياة المهاجرين في المغرب، وأعبر عن ما يواجهوه المهاجرون بشكل عام من معاناة"، يوضح ترجوك أنه تلقى الدعم في الكتاب من الأديب السوداني عبد العزيز بركة ساكن، الذي ساعده أيضا في اختيار عنوانه، كما دعمه عمر ناجي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، بتوفير بيانات عن الضحايا والمفقودين. حيث تضمن الكتاب أسماء 69 مهاجرًا بين متوفي ومفقود، و132 آخرين تم اعتقالهم بالأحداث في السجون المغربية.

"تم نسيان الضحايا كأنهم ليسوا بشر، ولم يتم محاسبة مرتكبي الأحداث"، يقول ترجوك: "أريد العدالة لمن لم يصل، وتعويض أسرهم، والإفراج عمّن لا يزالون معتقلين في السجون المغربية".

اليوم، وبعد أكثر من عام في بريطانيا، حصل ترجوك على اللجوء ويستعد للالتحاق بالجامعة. "غيّرت وجهتي، لم أعد أطمح إلى دراسة الطب، ولكنني أدرس الإنجليزية.. وأواصل الحكي حتى لا تُنسى الحكاية".

معرض الصور