16/07/2025

الوقت ينفد... فهل يلحق السودان نفسه؟

بقلم: عبد الناصر فضل

كل يومٍ يمضي والحرب مستعرة، يبتعد السودان خطوة أخرى عن التعافي. النزف لا يتوقف، والأرض التي كانت يومًا وطنًا للسلام والتنوع تتحول إلى مسرح دائم للألم والفقد. لم تعد هذه الحرب صراعًا بين جيوش، بل أصبحت حربًا ضد فكرة الوطن نفسه.

الزمن لم يعد حليفًا لأحد. كل تأخير في وقف إطلاق النار هو خصم مباشر من أرواح الأبرياء، ومن فرص الحياة الكريمة للملايين. والسباق اليوم ليس نحو نصر عسكري، بل نحو إنقاذ ما تبقى من كرامة الإنسان، وما تبقى من وحدة هذا الوطن المنهك.

أُسرٌ تشرّدت، أطفالٌ حُرموا من مقاعد الدراسة، أحياء تحوّلت إلى أطلال، ومستشفيات خرجت من الخدمة. الأسواق خاوية، والطرقات مسكونة بالخوف. أما النسيج الاجتماعي، فقد بدأ يتآكل بصمت، تحت وطأة خطاب الكراهية، والانقسام، وعدم اليقين.

لسنا أمام محطة سياسية عادية، بل أمام لحظة حاسمة في تاريخ السودان. لحظة تستدعي شجاعة القرار، لا خطابات التأجيل والمماطلة. فالوطن ليس رصيدًا يُستهلك في معارك النفوذ، بل أمانة في أعناق الجميع، ولا خلاص له إلا عبر طريق السلام.

لقد جرّب السودان كل أشكال النزاعات: العسكرية، والسياسية، والقبلية، حتى بات الوطن كله يعيش على وقع التمزق والتشظي. ألم يحن الوقت لتجربة مختلفة؟ تجربة تستبدل السلاح بالحوار، والعداء بالتسامح، والانقسام بالمصالحة؟

ما نحتاجه ليس هدنة مؤقتة، بل وقف دائم للحرب، يؤسس لانتقال حقيقي نحو حكم مدني شامل، يضمن العدالة والمساءلة، ويعيد ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. ولن يكون ذلك ممكنًا إلا إذا تحمّل الجميع مسؤوليته، وقرّروا – بشجاعة – أن يعيدوا الوطن إلى سكّته.

إن كل رصاصة تُطلق اليوم، لا تقتل جسدًا فحسب، بل تقتل أملًا. وكل دقيقة تأخير في وقف القتال تعني مزيدًا من المعاناة، ومزيدًا من النزوح، ومزيدًا من الفقد.

لا نريد بيانات تنديد، ولا مؤتمرات تعزية، بل نحتاج إلى قرارات مصيرية، تضع حدًا لهذا النزيف، وتفتح نافذة جديدة للأمل. صوت السلاح يجب أن يصمت، ليعلو صوت العقل، صوت الأمهات اللواتي ينتظرن أبناءهن، والنازحين الذين يحلمون بالعودة، والمزارعين الذين يريدون فقط أن يزرعوا حقولهم بسلام.

الوقت لا يرحم، والتاريخ لا ينسى. وما لم يُتخذ القرار اليوم، فقد يأتي غدٌ لا يحمل سوى الندم.
فلنُعطِ السلام فرصة، قبل أن يُغلق الباب إلى الأبد.

معرض الصور