
معسكر كرياندونغو والحقيقة الغائبة
منتصر إبراهيم
حسب ماھو معلن عن أحداث العنف التي وقعت ليلة الخميس الحادي عشر من يوليو الذكرى الرابعة عشر لاستقلال جنوب السودان؛ حيث تعرض العشرات من اللاجئين السودانيين في الجزء الجنوبي من المستوطنة ( كلسر L شرق ) لإصابات متفاوتة حسب ما يقال من جانب مجموعة مصنفعة تنتمي عرقياً إلى قبيلة النوير ذات الأغلبية في المنطقة. لم تتم إماطة اللثام عن أبعاد ھذا الاعتداء حتى الآن؛ حيث لا توجد توترات معلنة بين مجتمعات اللاجئين.
الأحداث قابلة للتطور حسب عدة احتمالات على ضوء وقائع العنف وتطور ردود الافعال حولھا من جانب السودانيين كرد فعل انتقامي محتمل الذي أصبح مبثوثاً بعبارات تنميط تغذي الحروب الأھلية دائماً؛ أو وقوع أحداث غير محسوبة أو رد فعل الحكومة اليوغندية والعلاقة بينھا وبين مجتمع قبيلة النوير؛ أو أن يتطور الأمر إلى مواجھة عرقية شاملة على أساس الھوية التاريخية بين السودانيين والجنوب سودانيين.
تعتمد تطورات الأحداث على ضوء الوقائع الميدانية للأحداث أنھا نشبت بدون أسباب واضحة تشرح وتفسر أو تقدم تبرير لما حدث. وحتى تظھر الحقيقة الفعلية للحدث أو من تطورات الأحداث يجب أن نضع في الحسبان الأسئلة والافتراضات الآتية:
ھل ھناك جھة تسعى إلى إحداث اضطرابات وقلاقل في مجتمع اللاجئين في مقاطعة كرياندونغو؟!
ھل ھناك جھة تعمل على استغلال ھشاشة الوضع في مجتمع اللاجئين في يوغندا، لتوصيل رسائل سياسية معينة.؟!
ھل ھناك جھة تسعى إلى تكريس وصمة معينة تجاه مكون أو مجتمع عرقي محدد لأغراض سياسية.؟!
ھناك معطى أساسي سيشكل خلفية لأي تحليل لاضطراب واسع محتمل أو مخطط له، وھو أن العلاقة بين مجتمع النوير وحكومة يوغندا متوترة سياسياً جداً بسبب الصراع على السلطة في جنوب السودان، والذي تدخلت فيه قوات الدفاع اليوغندي إلى جانب حكومة الرئيس سلفاكير للمرة الثانية؛ يعتبره مراقبون سبب عدم التوصل إلى اتفاق سلام على ضوء الشرط الذي وضعته المعارضة بضرورة انسحاب قوات الدفاع اليوغندي من جنوب السودان، المتھمة بارتكاب جرائم حرب في حق النوير في منطقة الناصر بولاية أعالي النيل .!
على ضوء الافتراض الأول فإن استصحاب عامل الظرف السياسي الذي تمر به الدولة في أوغندا، والمتمثل في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعة المخطط لھا خلال ھذا الشھر؛ لكونه ظرف مناسب لاستغلال القضية المحتدمة بين مجتمع النوير وحكومة يوغندا لتفخيخ الأوضاع ؛ وقد تكون مناسبة سياسية للتصعيد من جھات وأطراف على صلة بالقضية داخل يوغندا وخارجھا على السواء .
أما الافتراض الآخر، فإن طبيعة الصراع على السلطة في جنوب السودان، ذات الطابع العرقي، قد يكون مطروح حيث يتم إغراق مجتمع النوير من جانب قومية الدينكا الحاكمة في صراعات تضعفھا سياسياً وتكرس إلى عزلتھا اجتماعياً، إلى جانب إغراقھا في صراع مباشر مع الدولة المضيفة للاجئين النوير، الذين تمتد فترة لجوءھم لھذه المنطقة الشمالية من يوغندا إلى فترة طويلة .!
ھناك افتراض آخر، يتمثل في أن الأمر لا يتعلق بمجتمع النوير؛ وأن المعتديين ھم مجرد عصابات متفلتة منظمة يتم استغلالھا من جانب جھات لھا صراع سياسي داخل أوغندا؛ ربما تكون قومية الأشولي صاحبة الأرض المقام عليھا المستوطنة الواقعة شمال أوغندا، وقد ھجرتھا في وقت سابق والآن استوطنھا السودانيون، حيث ظلت المستوطنة تشھد حركة تجارية وتوسعات عمرانية، ربما أثار ھذا الاستيطان مخاوفھم ففكروا في وضع حد لھذا الاستيطان .!
على ضوء الافتراضات أعلاه إذا كانت مخططة؛ وما يختمر في داخل المجتمعات، وبالتحديد داخل مجتمع السودانيين الذين قد تدفعھم الأحداث إلى تبني إتجاه انتقامي، فإن المنطقة مرشحة للدخول في أعمال عنف واضرابات واسعة تشل الحياة في المنطقة، ولا يمكن التكھن بالضبط بحجم ما يمكن أن يحدث. لكنه لن يكون أقل من إعمال إبادة جماعية، إذا لم تقف الحكومة والدولة في أوغندا موقف قوي وحاسم .