
طريق السودان نحو السلام: دعوة الاتحاد الأفريقي للتعويضات والمسؤولية الدولية
الدكتور سامي عبد الحليم سعيد
الخلفية
أظهرت الحرب المستمرة في السودان الحاجة الماسة إلى معالجة شاملة للظلم التاريخي وبناء سلام دائم. وتأتي مبادرة الاتحاد الأفريقي بإعلان عام 2025 "عام التعويضات" كفرصة ملحة لإعادة النظر في إرث الاستعمار وآثاره المستمرة في السودان. وتوفر هذه الدعوة إطارًا لمعالجة جذور الصراع، وتأسيس نظام عالمي أكثر عدالة. وفي استكشافها لتأثير التعويضات المحتمل على عملية السلام في السودان، تضيء هذه المقالة على تعقيدات العدالة الانتقالية والحاجة إلى مقاربة شاملة لردّ المظالم التاريخية.
العدالة والشفاء عبر التعويضات
منذ منتصف أبريل 2023، دخل السودان في حرب أهلية دامية تُعد من أعنف الحروب في منطقة القرن الأفريقي منذ بداية الألفية. لكن هذه الحرب ليست مفاجئة، فهي تتواصل فعليًا منذ استقلال السودان عام 1956 بعد أكثر من خمسين عامًا من الاستعمار البريطاني. شأنه في ذلك شأن العديد من الدول الأفريقية التي عانت من الحروب نتيجة تقاسم غير عادل للسلطة والثروة.
إعلان الاتحاد الأفريقي لعام 2025 عامًا للتعويضات تحت شعار "العدالة للأفارقة ولأحفادهم" يهدف إلى دمج جبر الضرر التاريخي في نقاشات التنمية المعاصرة، والاعتراف بتأثير الاستعمار على الحاضر والمستقبل.
دعوة الاتحاد الأفريقي تنطلق من قناعة بأن القوى الاستعمارية تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية للمساهمة في برامج إصلاحية شاملة، تعيد التوازن العالمي الذي أخلّ به نهب ثروات القارة. وتضمنت الدعوة آليات متنوعة لتطبيق التعويضات والمساهمة في استقرار الحكم والتنمية، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على استقرار السودان ووقف الحرب المدمرة المستمرة منذ أكثر من عامين، والتي يتابعها العالم بصمت مقلق.
هذه الدعوة تحيي من جديد النقاشات التي بدأت بإعلان أبوجا وتجدّدت في إعلان أكرا عام 2023. وهي تمثل أيضًا فرصة جديدة لإنهاء أسباب النزاع المسلح المتجدد في السودان.
ليس إعفاءً للسودانيين
لا تسعى هذه المقالة إلى تحميل الاستعمار كل المسؤولية أو إعفاء السودانيين من دورهم في حل أزمتهم. لكنها تطرح تصورًا جديدًا للشراكة بين القوى الاستعمارية السابقة والدول المستعمرة سابقًا، بما يسمح بتطبيق عملي لمبدأ العدالة التاريخية، رغم العقبات التي تواجهه، كرفض بعض الدول الأوروبية الاعتراف بماضيها الاستعماري، وتعقيدات تنفيذ برامج التعويض، والحاجة إلى موقف أفريقي موحد.
إرث الاستعمار في السودان.. جراح مفتوحة
عانى السودان، كواحد من الدول التي استعمرتها بريطانيا بين 1899 و1956، من سياسات استعمارية خلّفت آثارًا عميقة لا تزال حاضرة في الحاضر. وكواحد من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية، فإن مفهوم التعويضات لدى السودان يشمل جرائم مثل: العبودية، النهب، التجنيد القسري، وحرمان السودانيين من ثرواتهم الطبيعية. هذا الإرث الثقيل لا يزال يولّد تفاوتات اقتصادية وسياسية واجتماعية في السودان، كما في باقي القارة.
نحو شفاء مستدام
عادت دعوة الاتحاد الأفريقي للواجهة، بعد تسريبات عن سعي الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان. ويُطرح هنا سؤال مهم: ماذا لو جعل الاتحاد الأفريقي من دعمه لأي جهود غربية مرهونة بتطبيق العدالة التاريخية؟
تعويض السودان لا يجب أن يكون ماديًا فقط، بل يشمل أيضًا:
الاعتراف الرمزي والتاريخي، مثل الاعتذار الرسمي وإعادة الممتلكات الثقافية.
إصلاحات قانونية ومؤسسية للقضاء على التمييز.
دعم اقتصادي للمجتمعات المتضررة.
إصلاح الخطاب التاريخي وتعزيز المصالحة عبر التعليم العام.
ويمثل السودان حالة اختبار مثالية لبدء تطبيق دعوة الاتحاد الأفريقي بشكل عملي، ما يمكن أن يكون نموذجًا لباقي الدول الأفريقية.
دعوة لإصلاح النظام العالمي
ينبغي أن تتضمن العدالة في السودان إصلاحًا لمنظومة الاقتصاد العالمي، عبر تمكين القارة من تمثيل عادل في رسم السياسات المالية العالمية. ويمكن للسودان الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، وتوظيف ثرواته الطبيعية، وربط ذلك باتفاق حرية التنقل الأفريقي.
السودان يتمتع بموقع استراتيجي، يجاور 8 دول من بينها المملكة العربية السعودية، ما يجعله دولة محورية للسلام في الإقليم.
سيمفونية غير مكتملة
كان السودان من أوائل الدول التي نالت استقلالها، لكنه واجه أزمات مزمنة في إدارة التنوع، والعدالة الاجتماعية، وتوزيع الموارد. ورغم الدعم الأفريقي، تواجه دعوة الاتحاد مقاومة أوروبية بدعوى أنها "نظرة للماضي"، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا اليوم.
لقد قدمت بعض الحكومات الغربية اعتذارات رمزية ومبالغ بسيطة، لكنها لم تصل إلى تبني خطة شاملة. لذا فإن دعوة الاتحاد الأفريقي، وربطها بسياسات العدالة الانتقالية، قد تكون فرصة لإحداث تحول منهجي نحو نظام أكثر عدالة.
ينبغي أن يُفهم مصطلح "تعويضات" ليس فقط كتحويلات مالية، بل كتحول جذري لإرساء سيادة الموارد، وإنهاء التدفقات المالية غير المشروعة، وتحقيق التمثيل العادل، بما يضمن الديمقراطية والكرامة والازدهار للسودان.
عن الكاتب
الدكتور سامي عبد الحليم سعيد، محامٍ دستوري سوداني، ونائب رئيس الشبكة الأفريقية للمحامين الدستوريين (ANCL) ومقرها كيب تاون، جنوب أفريقيا.
للتواصل: advosami@gmail.com
مصدر:
globalsentinelng dot com