09/07/2025

عن مغبة الـ 4Ds

يوسف عبد الله
هل جاءت ثورة ديسمبر في السودان بمعجزات كعصى النبي موسى؟ لا، كان ذلك مجرد أمنية، والآن باتت أمنية بعيدة. بعد أقل من سنتين من عمرها، انتهت الثورة إلى انقلاب عسكري ثم إلى حرب شاملة خلفت الآلاف من الضحايا بآلاف السيناريوهات.

حتى الآن ما زالت المؤسسة العسكرية وحملة السلاح لهم رؤى مختلفة ومغايرة لتشكيل الواقع في البلاد، وأولى الرؤى بالنسبة لهم هي كيفية هندسة الواقع ليمكنهم من الإفلات من العقاب ونسيان الجرائم التي ارتكبوها في حق الناس.

وفي الواقع، فإن الحياة السياسية في البلاد غارقة في أحوال متعددة من طرق الإفلات من العقاب، وهي طرق شهيرة ورائجة، ويصطلح عليها اختصارا بـ الـ :4Ds Delay Denial Dilute Deceive .

إلى جانب ذلك، يمكن أن تتضمن آليات الإفلات الحصانات القانونية، أو التعويل على ضعف النظام القضائي، أو عدم كفاءة التحقيقات، فضلا عن غياب الإرادة السياسية التي تجبر على محاسبة المسؤولين.

وفي الواقع السوداني، ما انفكت وسائل الإعلام الجماهيري وفضاء الإنترنت تذيع، بتواطوء تام، ما من شأنه التأثير على مجريات الأمور، بتضليل الشارع العام وتزييف الحقائق لإخفاء كم من الجرائم والانتهاكات التي تقع الآن أو التي وقعت مسبقا، كما حدث في (مجزرة فض اعتصام القيادة العامة) السلمي بالخرطوم، وكذلك ما تبعها من جرائم رافقت الحرب الحالية المندلعة منذ منتصف أبريل 2023.

لكن ما وسائل الإفلات من العقاب التي ينبغي أن نعمل على الدوام على تفاديها؟

أولا، تعد عملية تشكيل لجان التحقيق واحدة من أساليب الحكومات الدكتاتورية في تأخير الوصول إلى الحقيقة والعدالة؛ فعلينا أن نراقب هذا الأمر جيدا. وفي الواقع، حدثت الكثير من المجازر والانتهاكات في السودان. وبالمقابل، تكونت العديد من لجان التحقيق، لكنها لم تصل إلى جناة أو متهمين حقيقيين. يحدث ذلك مع وجود شهود وأدلة ومستندات، والراجح أن لجان التحقيق تتكون عادة لتهدئة الرأي العام وطمس الحقيقة في نهاية الأمر.

الأمر الثاني، يمثل الإنكار آلية من آليات التأخير في الوصول إلى العدالة، كالإنكار الذي تحمله تصريحات المسؤولين أو القوات المتهمة بارتكاب الجريمة، مثلما يحدث الآن، إذ هناك، على سبيل المثال، طرف ثالث مجهول يلقى عليه اللوم. بالطبع يمكنك الحصول على الكثير من الأمثلة المستمدة من الواقع.

الأمر الثالث هو التضليل: فبعد فض الاعتصام، مثلا، وفي التصريحات الرسمية، قيل أن المقصود هو فقط تنظيف (منطقة كولومبيا المطلة على النيل) من بعض التفلتات، للحفاظ على سلامة الاعتصام، وفي الواقع كان للمقصود هو تضليل الرأي العام عما أقدمت عليه قوى مشتركة نفذت عملية فض اعتصام القيادة العامة. في الحرب الحالية، كذلك يمكنك وجود الأمثلة.

الأمر الرابع هو التهوين: ودائما ما تتعامل الحكومات الدكتاتورية على أن الأفعال التي تحدث منها هي صغيرة، وغير ذات أثر، في محاولة للتقليل من شأن الأحداث الجسام.. مهما كانت واضحة.

معرض الصور