21/05/2025

الموسوم الصيفي.. مزارعو النيل الأزرق بين المعاناة والأمل

غازي جابر – تقرير مواطنون
"على مدى السنوات الماضية، لم أتوقف يومًا عن الزراعة، مهما كانت الظروف والتحديات. كنت أزرع في الحد الأدنى 25 فدانًا سنويًا. ومنذ عام 2020 واصلت العمل، وكان آخر موسم زرعت فيه مساحة كبيرة هو موسم 2021، حين زرعت 400 فدان كاملة. لكن ذلك الموسم شهد صعوبات بالغة، أبرزها إغلاق الميناء أثناء فترة الحكومة الانتقالية، ما أدى إلى كساد محصول القطن وتكبّدنا نحن صغار المزارعين خسائر فادحة. كانت تلك الخسائر هي القاصمة، ولم أعد بعدها أزرع مساحات كبيرة."

هذا ما قاله المزارع إيهاب بابكر سيسو في حديثه لمواطنون عن توقعات واستعدادات المزارعين للموسم الزراعي الصيفي في ولاية النيل الأزرق جنوب السودان.

يضيف سيسو "بعد موسم 2021، لجأت إلى الزراعة في مساحات محدودة، وبدأت أنوّع في المحاصيل بين القطن والتسالي، وأحيانًا الذرة أو الدخن. لكن الموسم الماضي كان الأصعب على الإطلاق. زرعت ثلاث مرات، وفي كل مرة خسرت المحصول. مرة جرفته السيول، ومرة أكلته البهائم، وانتهى بي الحال دون أن أحصد قندولًا واحدًا. خسرت في مساحة 25 فدانًا ما يقارب 2 مليون جنيه، ولم أسترد منها شيئًا."

مع استمرار الحرب الدائرة في السودان، شهدت قطاعات واسعة من البلاد توقفًا شبه تام في مختلف مجالات العمل، خاصة في القطاع الاقتصادي. وقد تكبدت الشركات والمصانع، سواء في القطاع العام أو الخاص، خسائر كبيرة، وامتدت آثار الحرب السلبية لتشمل القطاع الزراعي، الذي يُعد أحد أهم دعائم الاقتصاد الوطني.

إقليم النيل الأزرق ليس استثناءً، إذ عانى كثيرًا جراء استمرار النزاع، خصوصًا بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة سنجة وبعض المناطق المتاخمة والحدودية مع مدينة الدمازين، عاصمة الإقليم. وقد شكّل هذا الوضع تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار المدينة، ما دفع أعدادًا كبيرة من سكانها، وعلى وجه الخصوص التجار والرأسماليين والمزارعين، إلى مغادرة الإقليم، الأمر الذي خلّف فراغًا واضحًا خلال الموسم الزراعي الماضي، وزاد من مخاوف المواطنين من شبح المجاعة الذي بدأ يلوح في الأفق.

ومع بداية هذا الموسم الزراعي، وفي ظل حالة من الاستقرار النسبي، عاد المزارعون إلى الحقول بروح متجددة وحماس لافت. وقد شرعوا فعليًا في تنفيذ التحضيرات الأولية للموسم، والتي شملت صيانة ومراجعة الآليات والمعدات الزراعية من تراكتورات والرشاشات والزراعات، بالإضافة إلى تجهيز الأراضي، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التحضير الفعلية للأراضي في شهر يونيو المقبل. وتشير تقديرات محلية إلى أن ما لا يقل عن 60% من المزارعين الذين غادروا الإقليم قد عادوا، في مؤشر إيجابي على تحسن المناخ الزراعي.

ومع بداية الموسم الذي على الأبواب يخطط سيسو لزراعة محصول التسالي، من خلال شراكة مع صديقه من مدينة الروصيرص، الذي سيتكفل بالدعم المالي، فيما سيتولى هو الإشراف الفني والزراعي. وقال "قررنا أن نزرع كامل المساحة بالتسالي. لكن التكاليف أصبحت مرهقة بصورة لا تطاق. أعتقد أنه لم يعد ممكنًا لأي مزارع أن يعمل بمفرده، حتى في المساحات الصغيرة، ناهيك عن الكبيرة."

التمويل والبنك الزراعي
يتداول المزارعون أنباء عن لقاء جمعهم بمدير البنك الزراعي، عبّر خلاله عن استعداد البنك لتقديم الدعم اللازم لإنجاح الموسم الزراعي، وتوجيهه للموظفين بفتح حسابات مصرفية لكل مزارع يستوفي الشروط المطلوبة. كما بادرت إدارة البنك باتخاذ إجراءات استثنائية لبعض المزارعين ممن لديهم ديون مؤجلة، حيث تم تمديد فترة السداد لعدة سنوات، في خطوة وُصفت بالإيجابية، خاصة أنها تأخذ في الاعتبار الظروف القاسية التي مر بها المزارعون خلال فترة الحرب.

ويعبر إيهاب عن قلقه بشأن التموي: "ليست لديّ حساب في البنك الزراعي، ولم أفكر في فتح حساب، لأنني أرى أن أغلب التمويل يذهب لكبار المزارعين من المقتدرين. في حين أن صغار المزارعين هم العمود الفقري للزراعة، وهم الأولى بالتمويل. كبار المزارعين يمتلكون الجرارات والرشاشات وغيرها من الآليات، بينما المزارع الصغير لا يملك شيئًا، وإذا ما حصل على التمويل، فبوسعه أن يزرع وينتج ويسهم في الاقتصاد المحلي والوطني."

لكن المزارع حسن سليمان بنسو يقول لـ"مواطنون" إنه وآخرين زرعوا الموسم الماضي في المنطقة الغربية من الولاية. وأضاف بأن كل أهل المنطقة الغربية بذلوا جهدهم في زرع أراضيهم. لكن هذا الحلم الجميل تحطم على صخور التفلتات الأمنية. السرقة، النهب، السلب. "كل ذلك أُجبرنا على الفرار، خوفًا على أنفسنا وعلى ما تبقى لنا من ممتلكات. فعلاً، لم ينجُ شيء، سُلب كل ما نملك، ولم يبق لنا سوى الهروب تحت وابل نيران العدوان."

وحول التمويل، يقول بنسو إنه يتلقى دعمًا من البنك الزراعي، لكن الإجراءات طويلة ومعقدة، والأرباح مقابل الدعم مرتفعة لدرجة تشبه الربا، مما يزيد من اعباء المزراعين بدلاً من تخفيفها.

فيما بدا المزارع محمد زروق إبراهيم متفائلاً بأمنياته أن ينعم السودان بالأمن والاستقرار خاصة مع الاستعدادات الجارية للموسم. لكنه في حديثه عن التمويل استدرك قائلاً لـ"مواطنون" "لم أحصل على تمويل منذ ثلاث سنوات. المشكلة ليست في سياسات البنك بل في التعقيدات الطويلة. وحتى عندما نحصل على التمويل، لا يصل في الوقت المناسب."

تحديات كبيرة تواجه الموسم الزراعي
على الرغم من الإقبال الملحوظ من المواطنين على الزراعة، مدفوعًا بعوامل اقتصادية أبرزها الارتفاع غير المسبوق في أسعار الذرة، حيث بلغ سعر الجوال ما بين 55,000 إلى 75,000 جنيه سوداني، مقارنة بـ18,000 جنيه في العام الماضي، إلا أن هناك العديد من التحديات الحقيقية التي تواجه الموسم الزراعي الصيفي في النيل الأزرق. إلى جاتب التحديات الأمنية والمخاوف من عدم الاستقرار بسبب الحرب هناك تحديات حقيقية تواجه المزارعين تتمثل في:
- نقص الوقود وارتفاع أسعاره.
- تأخر توفير التقاوي المحسنة.
- ضعف البنية التحتية في الري.
- تخوف من التقلبات المناخية وتأثيرها على الجدوى الزراعية.
- عدم وجود آلية صارمة تضمن توجيه التمويل للمزارعين الفعليين.

حول التحديات التي تواجه الموسم الحالي، قال المزارع إيهاب بابكر سيسو "بدأت بالفعل تنظيف الأرض، وحرق المخلفات، وقطعت الشِقل. وشرعت في التفكير بكيفية توفير المبيدات، والبذور المحسنة، وجزء من الجازولين، خاصة مع توقعات ارتفاع أسعاره. لكن حتى الآن، لم نتمكن من توفير السيولة الكافية لشراء الأسمدة والمبيدات. مع ذلك، يلاحظ هذا العام حماسٌ عام بين المزارعين، على عكس الموسم السابق الذي شهد تدنيًا في الإنتاج نتيجة الظروف الأمنية. البعض زرع ونزح، والبعض الآخر زرع ولم يتمكن من حماية محاصيله من البهائم."

وأضاف بأن أكبر التحديات حاليًا تتمثل في الحماية، وتوفير العمالة، وتأمين المحصول من البهائم والسرقات. مشيراً إلى أن بعض المزارعين يغامرون ويدخلون أسمدة وبذورًا محسنة، "لكن السؤال هو: كيف نحمي هذه الاستثمارات؟ هذا يتطلب تكاتف الجهود من كل الجهات المعنية، حكومية وأهلية."

ويظل الأمن هو اكبر التحديات التي تواجه الموسم الزراعي، برز ذلك من خلال إفادات العديد من المزارعين الذين طاابوا بتوفير الأمن وحماية المزارعين، إلى جانب تسليط الضوء على قضايا الزراعة وهموم المزارعين.

معرض الصور