01/05/2025

خواطر لاجئ سوداني في تشاد في الذكرى الثانية للحرب

عبدالرشيد إبراهيم

هنا بدأت الحكاية…
لكل بداية نقطة، وكان الخامس عشر من أبريل بداية رواية طويلة، طال أمدها، ولا بد أن تنتهي.

أشرقت شمس ذاك اليوم كعادتها، مشرقةً مبهرة، وامتد جناح السلام حينها، حلق الحمام، وغردت العصافير في صباح بدا كأنه ليلة قدر. خرجنا ككل صباح، نسعى خلف أرزاقنا، نمارس الحياة كما اعتدنا، إلى أن دوّى في الأفق صوت ثلاث رصاصات... ثم خمس أخرى... فدوي المدافع.

ومنذ ذلك اليوم، لم تعد صباحات بلادي كما كانت...
اختفى صوت الضحكات، تلاشى الزحام، وسكنت الضوضاء. غابت تلك الوجوه التي كانت تُشرق الصباح بابتسامتها، وصار الرصاص كأنه طَقسٌ يومي، يتسلل بين زقزقة العصافير وصياح الديكة، وكأن الجميع ينوحون على أرواح هذا الوطن المنهَك.

سبعمئة يوم ويزيد، وما عرفت أعيننا غير السواد يغمر السماء...
رائحة دماء، أشلاء متناثرة، ونداءات استغاثة لا تُجاب.

أيها السامع... أخبرنا:
أين ذهب اللون الأبيض؟ أين أجنحة السلام؟ أين طيور الحمام الهاربة من أمهاتها لتغمرنا حباً، أو حتى ترفرف براية تُعلن قدوم السلام؟

لقد ضجّت مشاعرنا... تغيرنا كثيراً... ضاعت أحلامنا، تبعثرت بين ماضٍ يؤلم وحاضرٍ يُرهق، ومُستقبلٍ لا تُرى ملامحه.

اشتقنا إلى الحياة... إلى ضجيج الشوارع، وسحر المساءات، وصفاء السماء، ودفء البيوت، وجيرة لا تُفارق.
لكن الحرب فرضت حضورها بقوة السلاح، واستباحت القرى والمعسكرات، وأجبرتنا على التكيّف قسراً، فقلنا مكرهين: (بل بس).

الماضي ما زال يسكن دفاتر الحكاية، والمستقبل يفتح صفحاته ليُخبرنا أننا في الذكرى الثانية لهذه الحرب العبثية…
فهل تُضاف ذكريات أخرى لهذا الجرح المفتوح؟

قلمي العزيز…
لم أردك يوماً أن تكتب عن الحرب، تمنيت لك أن تكتب فقط عن السلام…
لكنها طالت، رغم أننا لم نيأس، بل رسمنا ملامح سلامنا بأيدينا، وننتظر الحلول بإذن الله.

يا حرب…
لكل بداية نهاية.
تواضعي خجلاً من الأرواح التي أُزهقت عبثاً،
تواضعي من أجل نواح الأمهات، وصرخات الأطفال في زمزم،
من أجل كل أم فقدت ابنها، وكل امرأة ترملت، وكل طفل شُرّد.

تواضعي…
فربما إن سقط منك حرف، جاء الحُب فزرع بدلاً منه حياة.

معرض الصور