26/04/2025

مخرج فيلم مدنية: الفن هو الذي يمكن أن يوحّد الوجدان السوداني

حوار ـ مواطنون
في أول عرض سينمائي سوداني يُقام في اليونان، احتفى السودانيون في العاصمة أثينا بفيلم "مدنية" الذي يوثق لأحداث ثورة ديسمبر 2019، وذلك مساء السبت 6 أبريل الجاري. وقد شهد العرض حضوراً واسعاً ضم مئات الأشخاص من جنسيات مختلفة، إلى جانب مشاركة لافتة من السودانيين، لا سيما اللاجئين الجدد الذين توافدوا بالعشرات من مخيمات اللجوء القريبة من العاصمة.

رغم ضيق الوقت وصغر الفريق المنظم ـ معظمهم من الوافدين الجدد ـ جاء التنظيم عفوياً على الطريقة السودانية، بعيداً عن القوالب الرسمية الصارمة. وربما كانت هذه "العفوية" هي سر نجاح الأمسية. كما لعب المزاج الشرقي لليونان كبلد وشعب دوراً في التفاعل الحماسي مع الفعالية.

ساهمت طبيعة المكان أيضاً في جذب جمهور متنوع، إذ أقيم العرض في منطقة تُعد ملتقى للأوروبيين من جنسيات متعددة، من الزوار والمقيمين، خصوصاً "البدو الرقميين"، مما أضفى طابعاً فريداً على الحدث رغم برودة الطقس.

أما الحضور النسائي السوداني فكان مميزاً، حيث شاركت النساء في تنظيم الفعالية، وتحضير المأكولات والمشروبات، وقيادة الاناشيد، والمساهمة في النقاشات، ليقدمن صورة متكاملة للحضور السوداني.

على خلفية هذا الحدث الاستثنائي، التقيت "مواطنون" بمخرج الفيلم محمد صباحي، الذي حضر العرض وشارك فيه كمتحدث رئيسي في النقاش الذي تلا العرض، وكان لنا معه هذا الحوار.

لماذا "مدنية"؟
مدنية هي الحكومة المدنية. حكومة بيحلم بها الشباب. حكومة مؤسسات، حكومة عدالة، حكومة السلام. هذه المعاني كلها تحمل كلمة مدنية.

الفلم إسمه مدنية؟ ما هي الرسالة للناس؟
الرسالة هي أن هناك حلما. خرجنا به إلى الشارع ونريد أن نستمر في هذا الحلم، هذه ناحية. من الناحية الأخرى التوثيق لفترة الاعتصام. فترة الثورة.

مدى قبول الفيلم وما هو تقييمك لأثره؟
الفلم جديد وعرض في عدة دول أوربية. وفي لندن، وعرض اكثر للاجانب وهم مندهشون كونهم يعرفوا أن هناك بلد إسمه السودان. لم يكونوا يعرفونه.

هل الفلم للأجانب؟
الهدف هو السودانيين ولغير السودانيين أيضا. لكن الفيلم يستهدف السودانيين بشكل أساسي، والرسالة هي أن لا ننسى الثورة. ثورة خرجنا بها للشارع وهذا أحد الأسباب التي جعلتني آتي إلى هنا. جئت للجالية السودانية الموجودة في أثينا، وسأذهب إلى أي مكان آخر أستطيع أن أصله.

غرض الفلم أيضا غير السودانيين. هل نجح في ذلك؟
نعم. بعد كل عرض للفيلم يحصل نقاش دائما ويقولون إنهم لم يكونوا يعرفون عن السودان شيئا. حتى أن أحد المشرفين عندما عرض الفيلم في مهرجان شيفلد، وهو من المهرجانات الكبيرة جدا جدا، قال لي إن أحد الأسباب التي دعتنا لقبول الفيلم ليس القصة في حد ذاتها بقدر ما هي صورة السودان. قال لي إنكم كشعب غير معروفين. ليس لدى الناس أي معرفة أو صورة عن السودان. وربما يكون ذلك مقصودا. أن يكون هناك غياب.

هل السبب هو قصور السوانيين انفسهم؟
ليس قصورا وإنما عدم امكانيات.

ماذا تقصد؟
عدم امكانيات؛ يعني مثلا كصناع أفلاماً لا نجد تمويلاً كافياً حتى نستطيع إيصال أعمالنا للعالمية. لا نستطيع حتى توصيل الأخبار. لماذا لا يكون لدينا تلفزيون يشاهده العالم باللغة الانجليزية والعربية حتى للعالم. الإعلام الخارجي إعلام مسيس، له أجندته وأمور مثل ذلك. الإعلام الأوروبي مهتم بأمور كثيرة. أيضا موضوع السياسة كدولة، وما إذا كان السودان دولة مهمة. هي دولة مهمة طبعا لكن للاهمية درجات. الوزن الاقتصادي مثلا. السودان ما زال عند الكتيرين دولة هامشية. المقارنة الآن مثلا مع القضية الفلسطينية، وأنا مناصر للقضية الفلسطينية شخصيا، لكن في أي مهرجان تجد عشرة أفلام. ومن السودان كنت أنا الوحيد. مثلا في مهرجان مصر شاركت عشرة أفلام فلسطينية تناصر القضية الفلسطينية وكان في الافتتاح الفيلم الفلسطيني. دي كلها رمز للقضية الفلسطينية. لكن هناك ايضا مشاكل وعندما سألت قالوا لي عندكم مشاكلكم مع بعضكم.

يوجد سودانيون كثر في المجالات الثقافية، رسامون، مخرجون موجودون في أوروبا وفي الغرب عموما. هل صحيح في عدم وحدة وتنسيق؟ اين المشكلة؟
نحنا كفنانين وكتاب وموسيقيين معروفين عالميا مثل كمالا اسحاق وهي من الرسامين العالمين وحصلت على جوائز.

إذاً أين المشكلة؟
المشكلة الإعلام. الإعلام عموما غير مهتم بالسودانيين. مثلا أنا أعرف عشرة فنانين تشكيليين اثّروا بفنّهم في شمال افريقيا. متواجدون في كينيا منذ عام 89 بعد إنقلاب الحركة الاسلامية. الإنقلاب أغلق دور السينما وجفف الكليات فهاجروا واستقروا في كينيا. ظلوا هنا 25 و30 سنة. نشروا أعمالهم هناك أي الثقافة السودانية ووجدوا قبول، وعندما اندلعت الحرب انضم إليهم ما لا يقل عن 30 فنان تشكيلي، ووجدوا اساس موجود، واقاموا استوديوهاتهم وعاشوا هناك. لهذا فان الفن مهم، وانا بتجربتي في فيلم "مدنية" في الخمس سنين التي انجزت فيها الفيلم فان الفن هو الذي يمكن ان يجمعنا كسودانيين تماما مثلما جمعنا في ساحة الاعتصام. الفن هو الذي يمكن أن يوحّد الوجدان السوداني، ويجمع السودانيين.

ما هو تقييمك للتجربة التي حصلت في أثينا؟
كانت ناجحة بنسبة 100%. تجمّع السودانيون من كل مكان لحضور الفيلم. أتى سودانيون من معسكرات اللاجئين، ثم عرضنا الفيلم مرة أخرى لديهم لأن بعضهم لم يتمكن من الحضور.

كم كان الحضور؟
المكان صغير وحضر حوالي 45 شخصا وكان هناك غير سودانيين، سوريين وليبيين وتأثروا بالمشاهد حتى أنهم بكوا.

هل تكررت هذه التجربة في دول اخرى؟
هذه أول تجربة وكنت متحمسا لها لهذا حضرت.

هل فكرت في دول افريقية مثلا؟
في خططي أن أعرض الفلم في نيروبي وكمبالا في شهر مايو، ويوم 15 ابريل سيكون هناك عرض آخر في مهرجان القاهرة. ستكون هناك عروض مفتوحة بحيث يستطيع كل السودانيين أن يحضروا مجانا.

هذا يعني أن الفيلم وجد دعما جيدا؟
أولوية الفيلم الآن هي المهرجانات، وبعد مرور سنة يمكن عرضه في كل مكان. هناك أمر مهم وهو أنني تمكنت من عرض الفيلم في السودان في 5 ولايات في السودان بعد عرضه عالميا مباشرة. كان أول عرض عالمي في بريطانيا، شهر يونيو العام الماضي في مهرجان شيفلد، ثم في السودان بعد يومين من مهرجان بريطانيا. ومن الطرائف اننا لم نجد وصلة لتشغيل الكهرباء واستعاروها من الجيش وحضروا الفيلم وحصلت هتافات.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لك؟
تعني لي ان المدنية ما تزال موجودة. الناس لم تنسى كلمة المدنية. ما زال هناك نضال بمعنى أن الناس ما زالت تواصل حلمها وتحقيق دولة سودانية حديثة، دولة العدالة.

انت مقيم في ألمانيا ومواطن الماني، بالتالى أنت موجود فى الاتحاد الأروبي، في واحة الحريات في العالم. كيف بإمكانكم كفنانين توظيف هذا المجال الواسع من الحريات في تنوير الرأي العام وكسر العزلة التي يواجهها السودان وأوضاعه لدى الرأي العام الاوربي؟
عشت في المانيا حوالي ثلاث سنوات ثم قررت إن أعيش في السودان، وعدت فعلا وأعيش الآن حول السودان لأن أعمالي وقصصي تستهدف السودان. أقمت في كينيا ومصر وأعيش حاليا في مصر. فضلت العيش في السودان لإنجاز قصصي وأفلامي من أجل أن يصل صوتنا إلى العالم.

عندما كنت في المانيا كثيرون كانوا يسألوني عن السودان، وكنت الجأ إلى قناة يوتيوب لكن لا تجد غير الحرب. قررت العودة للسودان في عام 2018 لأعمل أفلام عن السودان. في أثناء عملي في الأفلام اندلعت الثورة، فأخذت الكاميرا وبدأت اوثّق لها. السبب الذي دعاني للعودة الى السودان هو أن انتج أفلام للناس في المانيا وأوربا. قصص غير الحرب. لدينا حياتنا وثقافتنا.

كيف يمكن توظيف الوجود السوداني في أوربا وهم كثر، لكسر معضلة عدم الإهتمام بالسودان؟
عشت في دول كثيرة، وكسوداني كنت دائما أحاول الحضور وسط المجتمع السوداني. هناك عزلة. هناك أجيال مختلفة. جيل أتى إلى أوروبا من سبعينات القرن الماضي ومعزولين من شباب الجيل الجديد. أعتقد لو كانت هناك مراكز مثل النوادي ممكن تجمع الناس يلتقوا ويفكروا مع بعض ويكون عندهم مناشط.

قبل الثورة كانت هذه المراكز موجودة لكن تحت سيطرة الحركة الإسلامية والإسلاميين، ولها علاقة بالسفارة، لكن إذا باشرنا تأسيس تجمعاتنا ونوادينا وحدنا يمكن ان نجمع فيها الناس ونساعد بها الناس.

إذاً لابد أن يتحرك السودانيون؟
لا يوجد أحد يمكن أن يساعدك لو لم تبدأ أنت بنفسك. رأينا السودانيين واتحاداتهم أيام الثورة. نظموا المظاهرات في لندن والمانيا ورأينا أعدادا كبيرة. لماذا لا يتجمع السودانيين مرة أخرى مثلما فعلوا من قبل؟

الحرب اثّرت في الناس. اليس كذلك؟
الحرب أثرت تأثيراً شديداً وأحدثت الإنقسامات. أثرت في حياتنا كلها. حتى إنك تجد البيت الواحد منقسم. لكن هذه تداعيات الحرب. لكن دعنا نضغط في فكرة وقف الحرب، وأنا أعتقد أن الحرب لابد أن تقف. بمعنى الناس تتفق وتعمل دستور وقوانين ويكون السودان هدفنا الأكبر. نضع السودان اولوية ونؤسس من جديد.

معرض الصور