آراء

تم النشر بتاريخ: ١١ أغسطس ٢٠٢٥ 17:54:31
تم التحديث: ١١ أغسطس ٢٠٢٥ 17:57:11

الصورة: HRW

الحرب المنسية .. من الأهوال إلى الإهمال

عبد الناصر فضل
غابت أصوات القنابل والرصاص عن عاصمة البلاد، بعد أن توجهت قوات الدعم السريع غربا تحت ضغط المدافع والطيران الحربي والمسيرات، وتوقفت المعارك الطاحنة بين الجيش والدعم السريع، لتبدأ معركة المواطن مع التفلتات الأمنية وسوء البيئة الصحية وأمراض التخلف ونقص الدواء والغلاء وإنعدام الدخل وإنسداد الأفق.

هدأت أنفاس أدوات الموت السريع ولكن إرتفعت أصوات أدوات الموت البطيء. ومن لم يمت برصاص الجيش أو الدعم السريع مات بإهمال البيئة وغياب الخطط البديلة لإنهيار القطاع الصحي والإقتصادي وفقدان الوظائف والمهن وعدم توفر قيمة الدواء وتردي الخدمات من كهرباء ومياه في معظم أحياء ولاية الخرطوم. وقد ظلت السلطات تناشد المواطنين بالعودة ليجدوا الباعوض والناموس والذباب في شوق إليهم ليرسلهم مباشرة إلى المشافي والمراكز الصحية خالية العناية الطبية والدواء الكافي.

السلطات تستعجل المواطنين العودة وكأنها تنطق بلسان الآفات ونواقل الأمراض، لا ماء صحي ولا تيار كهربائي مستقر وبيئة عامرة بمهرجانات أمراض التخلف والتلوث من ملاريا وحمى التايفويد وحمى الضنك وإلتهاب المعدة وفقر الدم وأمراضه المتنوعة.

كل ماسبق ذكره معاناة حقيقية تعيشها معظم أحياء العاصمة المثلثة، ورغم فداحتها لا يمكن مقارنتها بالتفلتات الأمنية وغياب الطمأنينة بين المواطنين حتى وهم داخل غرف نومهم.

إنتشار السلاح في الطرقات والأسواق وأماكن الخدمات، صار مظهرا ثابتا وراسخا من مظاهر الحياة في العاصمة المثلثة وجميع المدن التي توقفت فيها المعارك الطاحنة بين الجيش والدعم السريع.

تحول السلاح من وسيلة للدفاع عن حقوق المواطنين وحراسة ممتلكاتهم إلى أداة للنهب والترويع، لم تجد معها حتى قرارات إخراج الجيوش من المدن إلى الثغور أو الثكنات.

عدد كبير من المواطنين فقدوا ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، وبدأت سلسلة إزهاق الأرواح داخل المنازل. عدد غير قليل من المواطنين راح ضحية الدفاع عن ممتلكاته وعرضه، وحملت الميديا أنباء عن إغتيال عدد كبير من المواطنين داخل منازلهم، أما من تم نهبهم في الطرقات المظلمة والشوارع النائية فلم يتم حصرهم. ولفداحة الأمر صار المجتمع يحملهم المسؤولية بإعتبار أن التجوال في الأماكن الخالية جريمة يعاقب عليها قانون الغاب.

الواقع المؤلم مولود شرعي لإهمال التحوطات الإدارية والصحية والأمنية لعودة المواطنين. كانت النتيجة هجرة عكسية لمن يملك قيمة نزوح جديد، ورضاء بالواقع والقدر لمن أضطره الفقر والعدم على إقامة دائمة متصالحا مع الظروف ومجبراً على مشاركة نواقل الأمراض وأدوات الموت الإقامة (الجبرية).

معرض الصور