تم التحديث: ٧ أغسطس ٢٠٢٥ 17:10:17

الفاشر: الجوع في زمن القنابل
عبد الناصر فضل
"هناك الكثير من القصف والجوع في الفاشر. ليس هناك سوى الجوع والقنابل، لهذا غادرنا الفاشر."
بهذه الكلمات البسيطة، لخّصت سندس، الطفلة ذات الأعوام الثمانية، مأساة مدينة كاملة. سندس، التي فرت مع أسرتها المكونة من خمسة أفراد، لم يُبقهم على قيد الحياة سوى الذرة البيضاء. وهم الآن بين نحو 400,000 نازح وصلوا مؤخرًا إلى مدينة طويلة، بعد أن ضاقت بهم الفاشر، حدّ الموت.
في الفاشر، لم يعد الموت حالة استثنائية. إنه احتمال يومي. فبين القصف والنهب، يعيش عشرات الآلاف صراعًا مريرًا من أجل البقاء، بعدما استنزفت الحرب المستمرة منذ عامين جميع آليات التأقلم، وتراجعت معها فرص النجاة إلى أدنى مستوياتها. ومع استمرار الحصار، وغياب المساعدات، تحوّلت المجاعة إلى واقع لا يمكن إنكاره، يُقاس بأجساد الأطفال وموائد الفقراء الخالية.
فقد أدت الحرب إلى إغلاق الطرق، وقطع خطوط الإمداد، وتوقّف حركة التجارة، ما رفع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة الرفيعة والقمح بنسبة 460٪ مقارنة ببقية مدن السودان. ومع انهيار الأسواق، لم تعد حتى "التكايا" الخيرية التي كانت توزع وجبات مجانية قادرة على العمل، بعدما توقفت معظمها بسبب نقص الموارد والتدمير المستمر للبنية التحتية.
وتفيد التقارير أن بعض العائلات في الفاشر باتت تلجأ إلى أعلاف الحيوانات ومخلفات الطعام لتبقى على قيد الحياة. لا لأنهم اعتادوا الفقر، بل لأن العالم اعتاد تجاهل صرخاتهم. ومن نجا من الجوع، لم يسلم من الخوف، فالنهب والعنف والاعتداءات الجنسية أصبحت سلوكًا يوميًا في المدينة المحاصرة.
ورغم كل ذلك، لم تتمكن قوافل برنامج الأغذية العالمي من الوصول إلى الفاشر. فمع حلول أغسطس، حصل البرنامج على تصاريح رسمية من مفوضية العون الإنساني السودانية، لكن قوات الدعم السريع، التي تُحاصر المدينة منذ أكثر من عام، لم تعلن حتى الآن دعمها لأي وقف لإطلاق النار يسمح بمرور المساعدات.
ومع حلول موسم الأمطار، تُصبح الطرق المؤدية إلى دارفور مهددة بالانقطاع، ما قد يؤدي إلى تراجع المكاسب الهشة التي تحققت بفضل المساعدات في مناطق أخرى من الإقليم. وفي يونيو الماضي، تعرّضت قافلة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف، كانت في طريقها إلى الفاشر، لهجوم قُتل فيه خمسة من أفراد الطاقم، وتضررت فيه الإمدادات، في مشهد يلخص هشاشة كل محاولة للوصول إلى من يحتاج.
إن الفاشر لا تحتاج إلى خطابات تضامن جديدة، بل إلى خبز وسلام وكرامة. فالمجاعة لا تُهزم بالبيانات، بل بالفعل. وفي زمن الحرب، لا يُقاس الفشل بعدد الطلقات فقط، بل بعدد الأمعاء الخاوية التي تُركت وحدها في مواجهة الموت.

