تم التحديث: ٠ ديسمبر ٠٠٠٠ 00:00:00

نحن في مرآة الخارج
يوسف عبد الله
تكشف حرب المستعرة في السودان أنها لم تكن مجرد كارثة إنسانية حلت بالسودانيين، بل كشفت، إلى حدود بعيدة، فشل الديبلوماسية الدولية والإقليمية في إحتواء الصراع وتداعياته، وأكدت للسودانيين الراغبين في السلام أن انتظار الحلول من الخارج هو محض براعة في تفويت الفرص.
في الواقع إن المتابع للشأن السياسي قد يضطر لترك التحليل والاستعاضة عنه بإبداء الشفقة على الآمال السودانية المحطمة في أعقاب الإعلان عن فشل انعقاد اجتماع الرباعية المكونة من (الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر) بخصوص الحرب السودانية المندلعة منذ أبريل 2023.
وعلى كل حال، هو فشل يذكر بإخفاقات وقعت في أوقات سابقة، بدءا من (منبر جدة) و(لقاء المنامة)، وصولا إلى مؤتمر جنيف الذي عقد في السنة الماضية دون أن يقول شيئا. وفي الواقع، كانت جميع المبادرات المار ذكرها مجرد بازارات دبلوماسية تتحكم فيها مصالح القوى الخارجية المتنافسة، أكثر من كونها مدفوعة بتطلعات السودانييين.
لقد كانت الآمال كبيرة في أن تتمكن الرباعية من وضع حد للحرب يبدأ من واشنطون، أو اقتراح خطة تقود إلى نهايتها. وقد تعطي هذه الآمال مؤشرات جيدة دالة على اعتراف السودانيين، بما فيهم القوى السياسية الحية، بتأثير الآخرين على واقعهم السياسي، من منطلق أنهم جزءا من ها العالم. لكن بدا من الخطأ البناء على هذه الخطة لوحدها ونسيان المهمة الصعبة المتمثلة في البناء من الداخل. بيد أن السؤال الملح الآن هو: كيف وصلنا إلى هذا التفكير غير الواعد؟
عند اندلاع الحرب كانت الظروف الأمنية لا تسمح بأي عملي سياسي مدني يناهضها ويدعو إلى إيقافها، وهذا لوحده جعل المهمة صعبة.. لكن حتى قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023 كانت القوى السياسة المنظمة المعول عليها تعاني من التواصل على المستوى الداخلي، إذ كانت تستهدفها (مواكب الثوار) بالانتقادات مما ضرب عليها العزلة وأفقدها الكثير من رومانسيتها الثورية.
وبطريقة أخرى، كانت هناك حالة من التردد في التواصل بين القوى السياسية ولجان المقاومة، على سبل المثال، بسبب أن السياسيين كانوا يتخوفون من سطوة لجان المقاومة في الشارع، وإصرار الأخيرة على طرح اللاءات الثلاثة: "لا تفاوض لا شراكة لا مساومة" مع العسكريين. وفي ذات الوقت، كانت لدى القوى السياسية قناعة مكتملة بأن الطريق المناسب للحظة الراهنة هو طريق (العملية السياسية). وخارج هذه القناعة كانت معرضة أيضا لضغوط خارجية من طرفين: الآلية الثلاثية ومجموعة الرباعية: أميركا بريطانيا السعودية والإمارات. هذه المؤثرات جعلت فاعلية القوى السياسية الداخلية ليست بالمستوى المطلوب، حتى أنها لم تسوق لـ (الاتفاق السياسي الإطاري) وسط الجماهير بالمستوى الذي يتناسب مع حجم نصوص الاتفاق. وهذا التباعد بالذات مكن خصوم السياسيين المدنيين من شيطنتهم، بل جعلهم المتسبب في الحرب.
بغض النظر عن التفكير في فتح القنوات التي أغلقت بين القوى السياسية والكتلة السياسية على الأرض، لقد بات من المؤكد أن الحرب في السودان لن تنهيها صفقة خارجية يهندسها وزراء خارجية ودبلوماسيين أجانب، أن طريق وقفها يبدأ من الحشد الداخلي.

