الوصول إلى سويسرا.. هل أزالت واشنطن الألغام عن طريق سلام السودان؟
تقرير ـ مواطنون
واحدة من أشهر مقولات الجنرال الإنجليزي الشهير وقائد معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية، برنارد مونتغمري، "إذا أردت الانتصار في الحرب عليك اولاً بتوحيد الجبهة الداخلية". هذا بالطبع ينطبق على الحروب الخارجية وليس الحروب الأهلية أو الداخلية بأية حال من الأحوال، ولا يمت بصلة لواقع حروب السودان الداخلية بصفة عامة وحربنا المستمرة منذ اكثر من عام بصفة خاصة.
على عكس الحروب الخارجية التي يمكن أن تخوضها دولة ما أو مجموعة دول ضد أخرى، يمثل تعدد مراكز القرار داخل كل طرف من الأطراف المتقاتلة داخلياً أبرز السمات التي تميزها، وذلك لطبيعة الحرب خاصة في حال تمددها زماناً ومكاناً. وهو الأمر الذي يعرقل أي محاولات لوضع حد للاقتتال ويطيل من اتخاذ قرار حاسم يدعم في اتجاه السلام، في ظل توسع رقعتها وتشابك المصالح داخل كل طرف من أطرافها، وهو ما يمثل أكبر وأخطر الألغام المفخخة التي يجب إزالتها عن طريق السلام.
ففي الوقت الذي برز هذا الأمر بوضوح على المستوى الميداني لدى قوات الدعم السريع واعتراف قادتها بعدم قدرتهم على السيطرة على قواتهم وترك الحبل على غارب تقديرات كل قائد في منطقته الشيء الذي وضعها أمام تحمل مسؤولية الانتهاكات الواسعة التي طالت المواطنين في مناطق سيطرتها، فإن ذلك برز بشكل كبير لدى القوات النسلحة السودانية عندما خضع لاختبار الدخول في مفاوضات من أجل وقف إطلاق النار في منابر عدة منذ إندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
مبادرات مع وقف التنفيذ
منذ اندلاع الحرب في السودان، اهتمت دول الإقليم والعالم وحاولت إطفاء لهيبها قبل أن يتمدد، وقد كانت نذرها تلوح في الأفق وفشلت كل المحاولات تفاديها في حينها.
منبر جدة: بادرت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في الترتيب لمنبر جدة الذي عقد جلساته الأولى بعد أقل من شهر من اندلاع الحرب في 6 مايو 2023. عقد منبر جدة ثلاث جولات وتوصل إلى اتفاق وقعه طرفا الحرب في 11 مايو من نفس العام. وفشلت الهدنة المفترضة لتطبيق ما اتفق عليه بين الطرفين. وعقد المنبر 3 جولات كانت آخرها في 3 ديسمبر وبعدها علق الميسرون المفاوضات لعدم الإلتزام بالاتفاقات الموقعة.
مبادرة منظمة «إيغاد»: أطلقت «إيغاد» في 26 أبريل 2023، مبادرة لتسهيل الحوار بين الأطراف كافة، وإيجاد حل جذري للأزمة السودانية، فشلت المبادرة في جمع الطرفين.
مبادرة الاتحاد الأفريقي: في نهاية مايو العام الماضي، أعلن الاتحاد الأفريقي عن خريطة طريق لحل الصراع بالسودان، تضمنت "وقفاً فورياً ودائماً للأعمال العدائية، وحماية المدنيين، واستكمال العملية السياسية الانتقالية، وتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية".
مبادرة إثيوبيا: في يونيو 2023 أبدى رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، خلال لقائه ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني "استعداده لزيارة الخرطوم والتوسط لوقف إطلاق النار".
مبادرة الجامعة العربية: أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تلقّيها مبادرة وطنية من شخصيات مدنية سودانية لحل الأزمة. كذلك وجه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في مارس 2024 نداء لـ"حقن الدماء في السودان"، داعياً إلى "ضرورة التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بشكل سريع".
قمة دول جوار السودان بالقاهرة: طرحت مصر مبادرة لصياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المُباشر للسودان. واستضافت قمة دول الجوار في يوليو 2023، بهدف "وقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة وإيصال المساعدات وإجراء حوار شامل ووضع آلية للتواصل مع الفصيلين المتحاربين".
الجيش.. مراكز قرار متعددة
جاءت المبادرة التي اطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية للقاء طرفي الحرب في سويسرا، من أجل التباحث لوقف إطلاق النار، والتي سرعان ما رحبت بها قيادة قوات الدعم السريع وأعلنت التزامها بالحضور، لتضع الجيش، الطرف الثاني في طاولة المباحثات، في مواجهة مراكز متعددة قبل اتخاذ قراره.
وتضمن بيان دعوة وزير الخارجية وزير الخارجية الأمريكية، أنطوني بلينكن في 23 يوليو، أهدافاً محددة مطلوب التوصل إليها في محادثات سويسرا "وقف العنف على مستوى البلاد، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق".
كما أشار البيان بوضوح إلى أن المحادثات لا تهدف إلى "معالجة القضايا السياسية الأوسع" مطالباً القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى حضور المحادثات والتعامل معها بشكل بناء، مع ضرورة إنقاذ الأرواح ووقف القتال وإيجاد طريق لحل سياسي تفاوضي للصراع.
وجدت الدعوة، التي ستكون أطرافها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وبمراقبة بعض الدول والمنظمات ذات الصلة، وجدت ترحيباً داخلياً واسعاً وارتياحاً دولياً وإقليمياً للضغط على الأطراف بعد استفحال الأزمة الإنسانية وحالات النزوح الواسعة التي تعرض لها الشعب السودان "أكثر من 10 ملايين نازح داخلياً وقرابة 2 مليون لاجيء بدول الجوار".
كمال عمر، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، يؤكد وجود مراكز داخل القوات المسلحة تؤثر في اتخاذ قرار وقف الحرب. وقال لـ"مواطنون" إن هناك جهات سياسية معلومة لا تريد أن يحل السلام ولديها أجندة سياسية تريد تحقيقها بواسطة الجيش من خلال استمرار الحرب.
وطالب قيادات الجيش بالذهاب إلى جنيف من أجل مصلحة الوطن والمواطن، ووضع تقديرات سياسية عقلانية بدلاً من الخطابات العنترية، وأضاف "أعتقد الذهاب الى جنيف سيحقق مقاصد السلام".
لكن رئيس تحرير صحيفة الأحداث، عادل الباز، ينفي وجود مراكز قرار متعددة داخل الجيش، وعزا الأمر إلى أسباب مستجدة تعقد من اتخاذ قرار الدخول فى مفاوضات جديدة فى منبر جديد. وقال الباز لـ"مواطنون" إن الحكومة لديها الأن شركاء يقاتلون معها وهم معنيون بكل قرار يتخذ في الحرب، "اقصد هنا الحركات المسلحة التي حينما اندلعت الحرب وبدأت مفاوضات جدة كانوا على الحياد ولذا فاوض الجيش وحده أما الآن فهي موجودة في الميدان ولابد من ان يسمع صوتها، لا يمكن أن تقول لها قاتلى مع الجيش واتركى الجيش يفاوض وحده. فليس الجيش وحده هو المعنى هذه المرة بالمفاوضات وما يترتب عليها".
وأضاف الباز بأن هناك اخرون في خندق الجيش وهم فئات متنوعة، دعمت الجيش في المعركة لابد من سماع صوتهم، مشيراً إلى أن هناك رأي عام داخل الجيش لابد من أخذه في الاعتبار. وقال إن نتائج استطلاعات الرأي داخل الجيش تقول الآن إنه ضد التفاوض. "من هنا يأتي التعقيد في اتخاذ قرار بشأن المفاوضات".
وكانت الحركات المسلحة الدارفورية التي تقاتل بجانب الجيش قد أصدرت بياناً قالت فيه "أي مبادرة تهدف إلى إنهاء الحرب أو وقف إطلاق النار، والتي تسعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى فرض حقيقة أن هناك طرفين فقط في هذه الحرب، وتبني العملية السلمية والسياسية بناءً على ذلك، ستكون مرفوضة تمامًا ولا يمكن قبولها أو قبول نتائجها".
أما الحركة الإسلامية المتهمة بإشعال الحرب وبالسيطرة على قرار القوات المسلحة قالت على لسان القيادي أمين حسن عمر في تعليقه على دعوة واشنطن للقوات المسلحة بالإسم "إن من يمثل الحكومة ليس القوات المسلحة، كونها جزء من مؤسسات الدولة، لذا ينبغي أن تُخاطب الدولة السودانية كطرف، والدولة السودانية هي من تحدد المؤسسة التي تمثلها".
وحول مناورات القوات المسلحة في اتخاذ قرار بشأن المباحثات في سويسرا، ذهب الصحفي والمحلل السياسي، عمرو شعبان، إلى أن حديث مساعد قائد الجيش، الفريق ياسر العطا، مؤخراً إلى توقعهم تشكيل تحالف دولي لدعم الجيش السوداني، لذلك تلكؤ الجيش في اتخاذ قرار "ربما هي مناورات لكسب الزمن حتى يتحقق هذا الدعم في سبيل توجيه ضربة حاسمة للدعم السريع مثلما يتمنى قادة الجيش".
ولا يستبعد شعبان في حديثه لـ"مواطنون" أن تفاجيء قوات الدعم السريع الجميع برفض التفاوض في ظل سيطرتها على الأوضاع الميدانية على الأرض. وقال إن هذه ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير وهو ما لا يتمناه الرافضين للحرب في السودان.
الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع قال في بيان، الأسبوع الماضي، إن الدعم السريع لن تتفاوض إلا مع القوات المسلحة، ولن تسمح بإقحام أي مؤسسة في مفاوضات أو محادثات لوقف الحرب وضمان الوصول الإنساني، مؤكدة عدم وجود حكومة في البلاد جراء انقلاب أكتوبر 2021، والانهيار الدستوري بسبب الحرب. واعتبر البيان الموقف الذي تم الإعلان عنه من خلال الخارجية السودانية بشأن مفاوضات سويسرا بأنه موقف النظام القديم.
ويذهب الكاتب الصحفي، وائل محجوب، إلى أن هناك هناك عدة معطيات تتحكم في قرار القوات المسلحة حيال دعوات التفاوض عبر محادثات جنيف. وقال إن هذه المعطيات لا تنحصر في فقط في الشد والجذب الذي تمثله طبيعة التحالفات العسكرية الداعمة على مستوى الميدان، سوأ كانت من خلال كتائب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية التي حملت سلاحها منذ صباح ١٥ ابريل، وظهرت قياداتها في حملات تعبئة تجد الدعم من حكوميين وقادة عسكريين في مختلف الولايات على صلة بأجهزة الحزب والحركة، أو من خلال الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا التي انهت حالة الحياد وانحازت لها في الصراع العسكري، وهي تتشبث بمكتسبات اتفاقها، وتريد أن تفرض وجودها في أي معادلة قادمة ما بعد الحرب.
ويمضي محجوب في حديثه لـ"مواطنون" إن الضغط الأكبر تمثله وضعية الميدان نفسها، التي تمددت من خلالها قوات الدعم السريع في ولايات رئيسية ومساحات شاسعة، اضطرت معها القوات المسلحة للتراجع والانسحاب، وقال إن هذا الوضع بالتأكيد يخلق ضغطا كبيرا لجهة صراع الإرادات على طاولة التفاوض، وفرض الشروط عليها.
واشار محجوب إلى أن القوات المسلحة تملك رصيدا كبيرا من المعرفة بشئون التفاوض، نتجت عن حروبات سابقة، وقال إنها تدرك مآزق التفاوض وفق شروط الوضعية الراهنة وما يقدمه ذلك من خدمة كبيرة لقوات الدعم السريع في فرض اشتراطاتها وعلى رأسها وجودها المستقبلي، الذي كان واحد من أهداف الحرب المعلنة هو انهائه.
المجتمع الدولي.. نفاد الصبر
مثل الوضع الإنساني الكارثي في السودان ضغطاً كبيراً على المجتمع الدولي بعد نحو عام ونصف من إندلاع الحرب، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين وحجم الانتهاكات وجرائم الحرب التي رصدتها المنظمات الدولية ذات الشأن، إلى جانب الأعداد الكبيرة للنازحين واللاجئين التي تجاوزت الـ 10 ملايين شخصاً. إضافة إلى ذلك نذر المجاعة التي بدأت بالفعل تضرب بأطنابها أنحاء واسعة من البلاد.
وجاءت تصريحات المبعوث الأمريكي الأخيرة لتعلن نفاد صبر المجتمع الدولي من المراوغات التي عطلت مسار المبادرات السابفة حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه الآن. وقال في تصريحات صحفية إن المجتمع الدولي سيفكر في خيارات أخرى بديلة إذا لم تبد الاطراف المتحاربة في السودان ما يكفي من الجدية للتوصل لحل سلمي متفاوض عليه. وأضاف بأن المجتمع الدولي سيضطر للبحث طرق اخر لوضع حد لمعاناة السودانيين اذا عجز طرفا الحرب عن التفاوض لإيقافها.
في حديثه لـ"مواطنون" توقع كمال عمر أن يلتقط الجيش المبادرة الاخيرة ويذهب الى جنيف لأن عواقب رفضها أو عرقلتها غير حميدة بالنسبة للسودان. وقال إن من يتحمل مسؤولية هذه العواقب ليس القيادة السياسية ولكن قيادة الجيش ممثلة في رئيس مجلس السيادة.
وأبدى عمر تفاؤله بوجود قيادة عاقلة يمكن أن تجير الأمور لصالح المواطن واستقرار البلد، مشيراً إلى أن موقف المجتمع الدولي لصالح القوات المسلحة. وقال "صحيح على الأرض موقفها مهزوز، لكن من ناحية دولية ومن ناحية آمال المواطن والقوى السياسية الجيش مؤسسة لا أحد يسمح بانهيارها بدواعي الانحياز للطرف الثاني".
وكانت الدكتورة أماني الطويل، مديرة مركز الأهرام والمقربة من المخابرات المصرية، كنبت على صفحتها في منصة فيسبوك إن الوقت يضيق أمام البرهان بشكل متسارع لتحديد خياراته في ظل التحديات الداخلية والعالمية وما يترتب علي ذلك القرار من أجراءات أممية في حالة رفضه لمنبر جنيف. ومضت إلى أن المجتمع الدولي يعتزم عقد جلسة أممية طارئة بخصوص وضع السودان تحت وصاية البند السابع مع التشدد علي حظر الطيران الحربي و منع السلاح من الجيش السوداني.
وأبدت أسفها إلى أن وضع اختيار الوفد وقرار المشاركة ومسؤولية الوصول إلى المنصة التفاوضية تتعلق أيضاً بأطراف النظام القديم الذي تضيّق خياراته أيضاً علي الجيش أو منعه بتاتا من المشاركة في مفاوضات جنيف .
لكن عادل الباز يرى أن المجتمع الدولي ليس بيده أن يفعل شى. وقال لـ"مواطنون" إن التدخل الدولى تحت البند السابع مثلاً غير متصور، وقد حدث من قبل أن جاءت اليوناميد فماذا فعلت؟ وأضاف "إذا حدث تدخل عسكرى من جهات أخرى فهو مكلف ولا أحد يرغب فيه ولا أحد قادر على دفع فواتيره، وإذا حدث فهو ليس مأمون العواقب". مشيراً إلى تدخل المجتمع الدولى في الصومال وتدخل في العراق وأفغانستان وقال "كلها تدخلات فاشلة أدت لنتائج كارثية. إذا أرد المجتمع الدولى أن يتدخل تدخلا حميداً عليه أن يلزم قوات الدعم السريع بتنفيذ مقررات جدة "هذا هو الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلكه كى ينجح في انهاء الحرب".
من جهته قال عمرو شعبان إن الدعوة الأمريكية تعكس حالة ملل المجتمع الدولي من المراوغات بين الطرفين سواء الدعم السريع أو الجيش، واضاف بان المجتمع الدولي أصبح تكرس لديه فهم أن الإسلاميين أو عناصر النظام البائد هم من لا يريدون إيقاف الحرب وهم المسيطرون على جهاز الدولة ودائرة اتخاذ القرار داخل الجيش في ظل تعدد مراكزه، لذلك يعمل على محاصرة مساحات المناورات لديهم.