العام الدراسي.. عام الرمادة
خالد ماسا
(لا تعليم في وضع أليم)، تحت هذا الشعار خاطب الشارع الثوري، منذ بداية حراكه، أحد أهم قضايا الشعب السوداني. وقدم قراءة تحليلية توضح إلى أي مدى أثرت سياسات النظام المعزول طوال سنين حكمه تأثيراً مباشراً على منظومة التعليم، فأصابت كل أركان العملية التربوية والتعليمية في مقتل.
المعلم، وهو الركن الأصيل في العملية التربوية والتعليمية، والذي قامت على أكتاف جدارته وتأهيله ومثابرته وصدق إنتماءه لمهنته سيرة عطره للتعليم في السودان، إبتدأت ببداية التعليم النظامي في السودان. كان الإصطفاف المدني الأخير، قبل نشوب حرب أبريل، من نصيب لجنة المعلمين التي لم تطالب بأكثر من الحقوق الأصيلة للمكتوين بنار هذه المهنة بعد أن عز الراتب على الوفاء بالحد الأدنى من مطلوبات الحياة. فتمنعت مؤسسات الدولة ممثلة في وزارة المالية.
ماحدث في المناهج التعليمية والبيئات الدراسية وتراجع التعليم الحكومي لصالح الإستثمار في التعليم، يؤكد بأن التعليم كان جزءاً أصيلاً من مشروع تشكيل الدولة السودانية وفقا لرؤى وتصورات مشروع سياسي كان يحكم السودان.
نحن الآن من حيث التوقيت الزماني للحرب في منتصف شهر سبتمبر وهو التعديل الذي إدعى فيه خبراء الوزارة المعنية بأنه يعالج كل مشكلات عدم إستقرار العام الدراسي لسنوات، تارة لتزامن التوقيت السابق مع فصل الخريف وتارة لعجز الوزارة نفسها عن توفير أساسيات بداية العام الدراسي، وأخرى بسبب تكتيكات أمنية تقوم بها الدولة لحماية سلطتها.
نحن هنا نوجه الأنظار لمشهد تصنعه الحرب حالياً على مسرح قطاع التعليم بمختلف مستوياته في السودان. ستكون كل الكوارث التي حلّت سابقاً بقطاع التعليم لا شيء يُذكر أمامها.
عام الحرب في أبريل المنصرم هو بالضرورة هو عام الرمادة على تلاميذ وطلاب قطاع التعليم في السودان. وهو بمثابة رصاصة الرحمة وفصل الأجهزة عن جسد هذا القطاع الميت إكلينيكياً.
لم يكن في بال دعاة الحرب والراقصين على إيقاع طبولها بأن نارها تأكل في مستقبل هذا البلد. وتقطع طريق الاستثمار في زرع أجيال كان يعول عليهم في ترميم ما خربته الحرب والسياسة.
مع هذه الحرب ما من أحد يملك الإجابة على سؤال الآباء والأمهات عن مصير العملية التعليمية والعام الدراسي في عام الحرب هذا. بل هي أجوبة متأخرة في سلم الأولويات الذي تتقدم فيه أولوية سؤال ما هو مصير الدولة نفسها بوصول الحرب لشهرها الخامس.
ففي أوان الحرب لم تكن وما زالت مرتبات المعلمين والمعلمات تشغل بال الوزارة، بقدر إنشغالها بشأن المحاصصات السياسية وأنصبة أمراء الحرب منذ بداية الحرب في منتصف ابريل الماضي. فوجدوا أنفسهم في أراضي النزوح واللجوء هائمين على وجوههم يكابدون ويلات الحرب.
فتحت المدارس أبوابها هذا العام مبكراً في النصف الثاني من شهر أبريل. ولم يقرع الجرس فيها لإعلان بداية العام الدراسي، وإنما لاستقبال النازحين الذين شردتهم الحرب للمناطق الأقل تأثراً بها، فما عادت الفصول للدراسة.
تكالبت المصائب على قطاع التعليم عام دراسي بعد عام. ولم يفق هذا القطاع بعد من الذي فعلته جائحة كوفيد ١٩. جاءت الحرب لتضع وسماً عليه ليس من السهل تجاوزه وتخطي آثاره.
خطاب الكراهية، الذي تقوم أركانه بالأساس على الجهل وتغبيش الوعي، هو أحد تمظهرات الاختلالات في مخرجات التعليم التي لم تعالج مناهجة عيوب أمراض هذا البلد في الجهوية والقبلية وكل أمراض نقصان المناعة الوطنية.
التكوين الأساسي لخطاب الكراهية والحرب السائدة الآن هو نتاج طبيعي لعيوب لازمت عملية التعليم في السودان، والتي إهتمت بالكم دون الكيف. ولم تراع لقدرة المناهج الدراسية على مخاطبة جذور الأزمة السودانية فجاء إستعراض هذه النتائج على مسرح الحرب.