تم التحديث: ٢ نوفمبر ٢٠٢٥ 16:06:21

جامعة ييل: استمرار القتل الجماعي في الفاشر
إعداد: قصي مجدي سليم
في تقرير جديد صدر مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025، أكد مختبر الأبحاث الإنسانية (HRL) في كلية الصحة العامة بجامعة ييل، أن قوات الدعم السريع تواصل ارتكاب عمليات قتل جماعي ممنهجة في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وأن مؤشرات "الإبادة الشاملة" باتت واضحة على الأرض من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية الحديثة.
التقرير، المعنون "تحذير من الفظائع: استمرار القتل الجماعي في الفاشر"، يصف الوضع بأنه "أسوأ مشهد إنساني في السودان منذ بداية الحرب"، محذراً من أن غالبية المدنيين في المدينة "إما قُتلوا أو أُسروا أو يختبئون وسط الأنقاض".
ويشير التقرير إلى أن التحليل الفضائي لم يرصد أي تحركات نزوح جماعي خارج حدود المدينة المحاطة بسواتر ترابية، ما يُعد مؤشراً على فناءٍ بشري شبه تام داخل الفاشر.
أجسام بحجم الإنسان.. وجثث في كل الأحياء
اعتمد باحثو جامعة ييل، بقيادة المدير التنفيذي ناثانيال ريموند والمديرة الميدانية كيتلين هاوارث، على منهجية "دمج البيانات" (Data Fusion)، التي تجمع بين تحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة ومصادر مفتوحة مثل مقاطع الفيديو والتقارير الإخبارية الميدانية وشهادات الناجين.
وأظهر التحليل وجود ما لا يقل عن 31 موقعاً في المدينة تحتوي على "أجسام تتسق في الحجم مع الأجسام البشرية"، مصحوبة بتغيرات في لون التربة إلى الأحمر الداكن، وهي مؤشرات قوية على وجود جثث بشرية وأرض ملوثة بالدماء.
تظهر هذه المواقع في أحياء متعددة من الفاشر، أهمها حي "درجة أولى" الذي كان آخر ملاذ للمدنيين، حيث وثّقت الصور صفوفاً من الجثث قرب مبانٍ كانت تؤوي منظمات إنسانية مثل UNICEF وUNDP، إضافة إلى مواقع قرب مستشفى السعودي وجامعة الفاشر.
وفي محيط اللواء 271 دفاع جوي، أظهرت الصور، وجود مركبات محترقة، وآثار حرارية ناتجة عن انفجارات أو قصف، مع انتشار أجسام بطول 1 إلى 1.8 متر، وهي "تتسق مع أبعاد الجثث البشرية"، بحسب النص الحرفي للتقرير.
مشاهد مروعة في جامعة الفاشر
يذكر التقرير أن الصور الملتقطة بتاريخ 28 أكتوبر أظهرت تجمعات لأجسام ممددة خارج مبنى كلية العلوم الطبية والمختبرات في جامعة الفاشر، وهي أجسام لم تكن موجودة في صور 26 أكتوبر السابقة، ما يعني أنها ظهرت بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
ويُرجّح الباحثون أن هذه المشاهد تتطابق مع فيديوهات انتشرت لجنود من الدعم السريع يسيرون بين جثث ملقاة داخل مبنى غارق بالدماء، ويُطلق أحدهم النار على شخص ما زال على قيد الحياة.
"درجة أولى" آخر ملاذ تحول إلى مقبرة
يوثق التقرير بدقة غير مسبوقة ما جرى في حي "درجة أولى" واصفاً إياه بأنه كان "آخر معقل مدني في الفاشر".
وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية، الملتقطة بين 27 و30 أكتوبر، وجود عشرات العربات التكتيكية التابعة لقوات الدعم السريع وهي تسد الطرق الفرعية، بينما تتكدس الأجسام قرب المنازل في مشهد يوحي بـ عمليات تصفية منزلية منظمة.
بحسب التحليل، تغيّر تموضع العربات في 31 أكتوبر، إذ لم تعد في مواقع الحصار كما في الأيام الأولى، ما يشير، بحسب التقرير، إلى أن عدد المدنيين الأحياء أصبح ضئيلاً جداً بعد أيام من "التمشيط والقتل المتواصل".
"قرني".. محطة فرز وبداية طريق الموت
يركز التقرير على منطقة قرني الواقعة شمال غربي الفاشر على طريق كتم، والتي تحولت إلى مركز فرز للسكان منذ يوليو 2025. وبحسب ما وثّقته الأقمار الصناعية بين 26 و31 أكتوبر، ظهرت هناك هياكل مؤقتة صغيرة يعتقد أنها ملاجئ بدائية للنازحين.
لكن شهادات حديثة من منطقة "طويلة" تؤكد أن قوات الدعم السريع كانت تستخدم "قرني" لاحتجاز المدنيين وفصل الرجال والفتيان عن النساء، حيث اختفى المئات بعد هذا الفصل، وتحدثت تقارير عن إجبار المدنيين على التبرع بالدم تحت التعذيب.
ونقل التقرير عن وكالات دولية مثل رويترز وفرانس 24 ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن الطريق بين الفاشر وقرني "مليء بالجثث"، وأن المدنيين العالقين هناك "غير قادرين على الفرار بسبب انعدام الأمن وغياب وسائل النقل".
"المدينة ماتت".. غياب مؤشرات الحياة
يقارن التقرير بين الفاشر ومناطق أخرى شهدت هجمات سابقة مثل معسكر زمزم للنازحين، حيث رصدت الأقمار الصناعية في أبريل 2025 نزوحاً ضخماً لعشرات الآلاف. أما اليوم، فصور 30 أكتوبر 2025 لا تُظهر أي حركة نزوح مماثلة من الفاشر، رغم أن سكانها قُدّروا بـ 250 ألف نسمة قبل سقوطها.
ويشير التقرير إلى أن المنظمة الدولية للهجرة لم تسجّل سوى 36 ألف نازح خلال الأيام الأربعة الأولى، أي أقل من 15% من عدد السكان الأصليين.
ويخلص التقرير إلى أن هذا الغياب شبه التام للحركة "قد يعني ببساطة أن معظم المدنيين إما قُتلوا أو أُسروا أو لا يستطيعون التحرك على الإطلاق".
نداء عاجل وتحذير أخير
في ختام التقرير، حثّ مختبر "ييل" المجتمع الدولي على الوصول الفوري إلى الفاشر وقرني للتحقق من مصير المدنيين، مشدداً على أن ما يجري هناك "قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية".
وجاء في البيان الختامي، "تدل المؤشرات مجتمعة، من صور الأقمار الصناعية، وشهادات الناجين، وتقارير الأمم المتحدة، على استمرار عمليات قتل جماعي في الفاشر، وعلى اختفاء واسع النطاق للرجال والفتيان. يجب السماح فوراً بوصول المنظمات الإنسانية إلى جرني والفاشر".
التقرير لم يتضمن هذه المرة إشارة مباشرة إلى الجهات الداعمة لقوات الدعم السريع، لكنه كرر التحذير من أن استمرار الصمت الدولي "يشجّع على الإبادة ويمنح الجناة الوقت لإخفاء الأدلة".

