تم التحديث: ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥ 22:34:36

مختبر الأبحاث الإنسانية (HRL) - كلية ييل للصحة العامة
أدلة من الفضاء: ``ييل`` توثق انتهاكات الدعم السريع في الفاشر
اعداد: قصي مجدي سليم
كشف تقرير صدر يوم الاثنين، 27 أكتوبر 2025، عن مختبر الأبحاث الإنسانية (HRL) المرموق في كلية ييل للصحة العامة عن أدلة قاطعة بالأقمار الصناعية على ارتكاب قوات الدعم السريع (الجنجويد) "مجازر" و"قتل جماعي" عقب سيطرتها على الفاشر. التقرير، الذي وثق ما قد يرقى "لجرائم حرب"، طالب بالضغط على داعمي القوات، محدداً دولة الإمارات بالاسم.
حمل التقرير عنوان "حالة طوارئ للأمن الإنساني: سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع: أدلة على عمليات قتل جماعي"، وقدم تحليلاً مفصلاً لصور أقمار صناعية عالية الدقة التقطت يوم 27 أكتوبر، والتي أظهرت أدلة بصرية مباشرة على فظائع ارتكبت في أحياء سكنية ومناطق فرار للمدنيين.
واستخدم باحثو "ييل"، بقيادة المدير التنفيذي للمختبر ناثانيال ريموند وكيتلين هاوارث، ما يُعرف بـ "دمج البيانات" (Data Fusion). هذا المصطلح التقني يعني أن الباحثين لم يعتمدوا على صور الأقمار الصناعية وحدها، بل قاموا بجمعها وتحليلها ومقارنتها مع "بيانات المصادر المفتوحة" (Open Source Data)، أي المعلومات المتاحة للعموم مثل مقاطع الفيديو التي ينشرها شهود عيان على وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الإخبارية الواردة من مؤسسات إعلامية محلية ذات مصداقية.
ومن خلال هذه المنهجية، تمكن المختبر من تأكيد سقوط الفاشر بالكامل في يد قوات الدعم السريع، ورصد ما يبدو أنه عمليات إعدام ميداني وتصفية متعمدة للمدنيين.
أدلة من الفضاء: "بقع حمراء" وجثث في حي "درجة أولى"
تركزت الأدلة الأكثر إثارة للقلق في حي "درجة أولى" السكني، وهو حي أكد التقرير أن المدنيين كانوا يلتمسون فيه اللجوء حتى الأسبوع الماضي.
أظهرت صور الأقمار الصناعية الملتقطة للمنطقة انتشاراً لمركبات تابعة لقوات الدعم السريع في "تشكيلات تكتيكية" تتسق مع عمليات "تمشيط من منزل إلى منزل". وشرح التقرير هذه التشكيلات بأنها تضمنت مركبات قتالية (تعرف محلياً بـ "التاتشرات") وهي تسد الشوارع الجانبية، مما يمنع المدنيين من الفرار بينما تتقدم القوات.
لكن الدليل الأكثر ترويعاً كان ما وصفه التقرير بـ "أجسام يتسق حجمها مع أجسام بشرية" (Objects consistent with the size of human bodies). هذا المصطلح هو اللغة الفنية التي يستخدمها محللو صور الأقمار الصناعية لوصف أشكال يرصدونها من الفضاء يتراوح طولها بين 1.3 و 2.0 متر، وهو ما يطابق أبعاد جسم الإنسان البالغ.
وما يعزز الشكوك بأن هذه الأجسام هي جثث لمدنيين، هو رصد ما لا يقل عن خمس حالات لـ "تغير لون الأرض إلى الأحمر" (reddish earth discoloration) بالقرب من هذه الأجسام وتجمعات مركبات الدعم السريع.
ويوضح التحليل أن هذا التلون، الذي ظهر فجأة في صور يوم 27 أكتوبر ولم يكن موجوداً في الصور السابقة، يتسق بشكل كبير مع وجود بقع دماء كبيرة ناجمة عن عمليات قتل جماعي.
هذه العمليات وقعت على بعد حوالي 250 متراً فقط من "مسجد الصافية"، الذي كان هو نفسه هدفاً لهجوم بطائرة مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع في 19 سبتمبر 2025، مما أسفر عن مقتل 78 مصلياً آنذاك.
مختبر الأبحاث الإنسانية (HRL) - كلية ييل للصحة العامة
إعدامات على السواتر الترابية
لم تقتصر الأدلة على حي "درجة أولى". فقد رصد المحللون أيضاً تجمعات لـ "أجسام" مشابهة تتسق مع كونها جثثاً بشرية، ملقاة بالقرب من "السواتر الترابية الدفاعية" (berm) المحيطة بمدينة الفاشر.
وهنا يبرز دور "دمج البيانات"، حيث أشار تقرير "ييل" إلى أن هذه الملاحظات الفضائية "تتسق مع تقارير (من مصادر مفتوحة) عن عمليات إعدام وقعت بالقرب من الساتر الترابي، وقتل لأشخاص كانوا يحاولون الفرار من المدينة عبر عبور هذا الساتر".
ولتأكيد ذلك، استخدم الباحثون ما يُعرف بـ "رصد التغيير متعدد الأزمنة" (multi-temporal change detection)، وهي تقنية بسيطة المفهوم لكنها قوية، تعتمد على مقارنة صور لنفس الموقع الجغرافي تم التقاطها في أوقات مختلفة. وأكد التقرير أن هذه الأجسام "لم تكن موجودة في الصور السابقة" (مثل صور 26 أكتوبر)، مما يعني أنها ظهرت بالتزامن مع سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة وتقارير شهود العيان عن عمليات القتل.
كما أظهرت الصور مجموعات كبيرة من الأشخاص الفارين وهم يسيرون على الأقدام جنوباً باتجاه مخيم "زمزم" للنازحين (الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع)، وغرباً باتجاه منطقة "طويلة"، مما يؤكد تقارير الفرار الجماعي للمدنيين.
السيطرة العسكرية الكاملة
على الصعيد العسكري، أكد التقرير سيطرة قوات الدعم السريع بشكل كامل على جميع المنشآت العسكرية الرئيسية التابعة للقوات المسلحة السودانية في الفاشر.
وأظهرت الصور الملتقطة في 26 و 27 أكتوبر وجود مركبات متسقة مع قوات الدعم السريع داخل مقر "قيادة الفرقة السادسة" التابع للجيش. وبشكل لافت، رصد التقرير نشر قوات الدعم السريع لـ "دبابات قتال رئيسية" (MBTs)، وتحديداً ما يتسق مع دبابات "T-55" سوفيتية الصنع، بالقرب من "لواء المدفعية 157". ويشير وجود هذا النوع من الأسلحة الثقيلة إلى تعزيز كبير لقدرات قوات الدعم السريع العسكرية وسيطرتها الميدانية الكاملة على المدينة ومطارها.
"تطهير عرقي" واتهام مباشر للإمارات
في القسم التحليلي الأكثر حدة في التقرير، ذهب مختبر "ييل" إلى ما هو أبعد من مجرد توثيق القتل، واصفاً ما يحدث بأنه "عملية تطهير عرقي ممنهجة ومتعمدة".
وقال التقرير إن هذه العملية تستهدف مجتمعات "الفور" و"الزغاوة" و"البرتي" الأصلية غير العربية في دارفور، وذلك من خلال "التهجير القسري والإعدام بإجراءات موجزة".
وحذر مختبر الأبحاث الإنسانية (HRL) من أن هذه الأفعال التي ترتكبها قوات الدعم السريع "قد تتسق مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية (CAH)، وقد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية".
ووجه التقرير نداءً قوياً، محمّلاً المجتمع الدولي مسؤولية التحرك، ووجه اتهاماً مباشراً وواضحاً لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وجاء في نص التقرير "يجب على العالم أن يتحرك فوراً لممارسة أقصى قدر من الضغط على قوات الدعم السريع وداعميها، وتحديداً الإمارات العربية المتحدة (UAE)، لإنهاء القتل الآن".
وذكّر مختبر "ييل" بأنه كان يحذر من هذه الكارثة منذ أكثر من عامين، وتحديداً في لقاء خاص مع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يوليو 2023، حذر فيه من أن الفاشر ستتعرض للحصار.
واختتم التقرير "لقد أصدر مختبر HRL أكثر من تقرير واحد كل 10 أيام طوال فترة حصار الفاشر... قد تستطيع دول العالم القول إنها لم تتمكن من إيقاف ذلك، لكن لا يمكنها الادعاء بشكل معقول أنها لم تكن تعلم".


