تم النشر بتاريخ: ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥ 13:20:18
تم التحديث: ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥ 15:13:44

صندوق الأمم المتحدة للسكان ـ نازحين من الفاشر الى طويلة

الفاشر: ردود فعل دولية ومحلية واسعة وغياب تحرك فعلي

مواطنون
بعد أيام من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، تصاعدت موجة من ردود الفعل الدولية والمحلية المحذّرة من انتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين، ومن كارثة إنسانية غير مسبوقة بحق المواطنين العالقين وانعدام الامن والطعام وانقطاع الاتصالات.

وفي غياب أي مصادر ميدانية مباشرة بسبب انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت، وانعدام معلومات واضحة بشأن عدد المواطنين المتبقين في المدينة، والظروف التي يعيشونها، أصبحت البيانات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والحكومات الغربية، إلى جانب بيانات الهيئات المحلية في دارفور، المصدر الأساسي لفهم ما يجري في الفاشر التي تحوّلت إلى بؤرة القلق الدولي في السودان.

تحذيرات أممية وإقليمية متتالية
أصدرت الأمم المتحدة ووكالاتها خلال الأيام الثلاثة الماضية سلسلة من البيانات المتتالية عبر كبار مسؤوليها، في مؤشر على عمق القلق داخل المنظمة الدولية إزاء الأوضاع في الفاشر وعموم دارفور.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار وتأمين ممرات إنسانية آمنة للمدنيين، بينما قال منسق الإغاثة الأممي توم فليتشر إن “مئات الآلاف من المدنيين محاصرون وجائعون وتحت القصف”، مشدداً على ضرورة السماح بوصول المساعدات دون عوائق.

أما المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك فقد حذّر من “خطر ارتكاب فظائع واسعة النطاق ذات دوافع عرقية”، مشيراً إلى تقارير عن إعدامات ميدانية واستهداف لمدنيين حاولوا الفرار. وشدد على حماية المدنيين، وتأمين ممرات آمنة لأولئك الذين يحاولون الوصول إلى مناطق أكثر أماناً.

كما أكدت كل من يونيسيف ومفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة أن الوضع الإنساني في الفاشر “ينهار بالكامل”، وأن فرقها الميدانية فقدت الاتصال داخل المدينة التي تعاني من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه.

وأدانت المفوّضة الأوروبية للمساواة وإدارة الأزمات، حاجة لحبيب، تصاعد العنف في مدينة الفاشر السودانية، وحثت جميع الأطراف يوم الاثنين على حماية المدنيين وضمان مرورهم الآمن. وكتبت على منصى اكس "نُذكّر أطراف النزاع باحترام القانون الإنساني الدولي. يجب حماية المدنيين ومنحهم ممرًا آمنًا".

وفي السياق ذاته، أصدر الاتحاد الإفريقي بياناً دعا فيه إلى “وقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، واستئناف الحوار السياسي”، لكنه امتنع عن توجيه إدانة صريحة لأي من طرفي النزاع.

ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس حذراً إقليمياً في ظل الانقسامات داخل القارة بشأن الأزمة السودانية، وفشل الجهود الإفريقية المشتركة في دفع عملية السلام إلى الأمام.

وومن جهتها، دعت جامعة الدول العربية في بيان الثلاثاء الى وقف القتال في الفاشر وحماية المدنيين والسماح لمن يرغب بمغادرتها دون عوائق.

ردود فعل حكومية
كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي علّقت على التطورات الأخيرة في الفاشر.

فقد دعا مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس قوات الدعم السريع إلى “ضمان سلامة المدنيين وفتح الممرات الإنسانية فوراً”، مؤكداً أن بلاده تتابع “بقلق بالغ” ما يحدث في المدينة.

وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال بولس إن “المدنيين محاصرون وسط قتال لا يرحم”، وإن واشنطن “لن تتهاون مع أي جرائم تُرتكب بحق الأبرياء”.

وأصدرت وزيرة خارجية المملكة المتحدة إيفيت كوبر بياناً اثر سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، حذّرت فيه من “نمط مقلق للغاية من الانتهاكات، بما في ذلك القتل الممنهج والتعذيب والعنف الجنسي”.

وقالت كوبر إن النساء والفتيات في الفاشر يتعرضن لـ “عنف مروّع، واستخدام الاغتصاب كسلاح حرب”، مؤكدة أن لندن “ستحمّل قيادة قوات الدعم السريع المسؤولية عن تصرفات قواتها”.

وأعلنت أن بلادها خصصت 5 ملايين جنيه إسترليني إضافية كمساعدات طارئة للسودان، مع توجيه ثلثيها إلى ولايات دارفور.

ودعت النائبة العمالية، وزيرة التنمية الدولية السابقة، أنيليز دودز، الحكومة البريطانية الى السعي لعقد جلسة طارئة لمجلس الامن، وفقا لبي بي سي.

وطالب وزير الخارجية البلجيكي، ماكسيم بريفو، يوم الثلاثاء، بوقف الفظائع بحق المدنيين في الفاشر، ودعا جميع الأطراف إلى حماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.

من جهتها حثّت ألمانيا يوم الثلاثاء على وقف عمليات القتل والاغتصاب والتعذيب في مدينة الفاشر. وطالت زارة الخارجية الألمانية عبر منصة اكس، قوات الدعم السريع بحماية المدنيين وذكّرت قيادة هذه القوات بانها التزمت بذلك، ودعت الى وقف اطلاق النار.

وشددت المملكة العربية السعودية في بيان، على ضرورة قيام قوات الدعم السريع بواجبها في حماية المدنيين، وضمان تأمين وصول المساعدات الإنسانية، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وفق ما ورد في إعلان جدة، ودعت إلى العودة للحوار للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار.

ودعت قطر قوات الدعم السريع الى "تحمل مسؤولياتها في حماية المدنيين".

أصوات من دارفور
في الداخل، حذرت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين من تدهور الأوضاع الإنسانية مع تزايد أعداد الفارين من الفاشر نحو مناطق طويلة.

وقالت في بيان إنها استقبلت خلال الأيام الماضية أكثر من 3,000 نازح، معظمهم يعيشون في ظروف قاسية دون مياه أو غذاء أو مأوى.

من جانبها، أكدت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر أن المدينة تشهد “اوضاعا انسانية مأساوية وعمليات انتقامية”، محذرة من ان مصير جزء كبير من المدنيين الموجودين في المدينة مجهولا.

هذه البيانات المحلية تعكس حجم المأساة داخل المدينة، وتؤكد أن الأزمة تجاوزت الطابع العسكري إلى كارثة إنسانية شاملة.

وفي سياق متصل طالب المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام والمرصد السوداني لحقوق الإنسان، مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي بالتحرك واتخاذ إجراءات لوقف "الجرائم وضمان الحماية العاجلة للمدنيين المحاصرين في الفاشر وبارا"، كما دعا المحكمة الجنائية الدولية لتوسيع نطاق التحقيقات الجارية، لتشمل الجرائم المرتكبة في الفاشر.

قلق دولي وانعدام الفعل
تُظهر البيانات المتتالية أن سقوط الفاشر مثّل منعطفاً حاسماً في الحرب السودانية، حيث توحّد الخطاب الأممي والغربي حول الدعوة لحماية المواطنين، وتوفير المساعدات الانسانية، والتحذير من الانتهاكات المتصاعدة بما في ذلك خطر التطهير العرقي وجرائم الحرب.

لكن في ظل انقطاع الاتصالات وتعذر وصول وسائل الإعلام، وعدم وجود اي مؤسسة او جهة دولية او محلية على الارض، تبقى الفاشر مدينة معزولة لا يُعرف ما يجري داخلها سوى عبر بيانات وتحذيرات متكررة من الخارج. ويبدو الامر أن العالم يحذر، لكن لا أحد يملك رؤية لما يحدث داخل المدينة، وتبقى التحذيرات الدولية صرخات عاجزة عن توفير ما تدعو له من حماية للمواطنين وتوفير ممرات آمنة للخروج او للمساعدات.

وفي غياب أي بوادر لوقف إطلاق النار أو ممرات آمنة، يظل السؤال قائماً، هل سيتحرك المجتمع الدولي فعلاً لحماية المدنيين؟

معرض الصور