تم النشر بتاريخ: ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٥ 14:55:43
تم التحديث: ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٥ 21:02:47

جامعة الدول العربية.. غياب في دفتر حضور الحرب السودانية

مواطنون
ما بين 15 أبريل 2023 وقمة بغداد مايو 2025 لم تكلف حامعة الدول العربية عناء ذكر السودان والحرب الدائرة فيه إلا لماماً، دون أن تخوض في تفاصيلها أو تطرح مبادرة سلام باعتبارها المنظمة العربية الإقليمية التي ينضوى تحت مظلتها السودان. واستعصمت بالمناشدات والنداءات التي يطلقها من حين لآخر أمينها العام وكأنما يرد أن يقول "نحن ما زلنا هنا".

ومثلما سجلت الجامعة غيابها في دفتر حضور الحرب السودانية، لم يتساءل السودانيون عن سر هذا الغياب، بل لا يتذكرونها أصلاً وقد شغلتهم قساوة الحرب وتداعياتها وعبثيتها عن الانتباه لهذا الغياب. في ذات الوقت سجل الاتحاد الأفريقي ومنظماته حضوراً قوياً، وإن لم يحقق النتائج المرجوة كما أُريد لها.

اللافت للنظر أن الحضور العربي على مستوى بعض الدول، ومنذ لحظة إطلاق الرصاصة الأولى، سجل حضوراً قوياً في المشهد السوداني. ومنذ اللحظات الأولى، أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرتها بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية لتنعقد أولى جلسات تلك المبادرة في مدينة جدة الساحلية في شهر مايو 2023، قبل إنقضاء الشهر الأول للحرب، وتصل طرفا الحرب، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إلى تفاهمات أفضت إلى ما عرف باتفاق جدة.

جهود دول ومصالح
لعل اللافت هو انخراط ثلاث دول عربية، هي المملكة العربية السعودية الإمارات العربية والمتحدة وجمهورية مصر إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في آلية "رباعية" تبنت مقاربة مشتركة لوقف الحرب في السودان. وتنطلق الدول الثلاث من قاعدة مصالحها الداخلية لا من منصة عروبتها وهو ربما ما أدى إلى تأخر الانخراط الفعلي والقاطع في عملية سلام السودان على الأرض.

بدأت العديد من الدول العربية في اتخاذ خطوات فاعلة تجاه الحرب السودانية، فمن الخليج يمكن القول أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب السعودية، ظلت تعلن عن مواقفها منها منفردة ومجتمعة كمجلس.

بخلاف دولة الإمارات العربية، التي اتخذت حكومة السودان منها موقفاً معادياً ولا تزال تتهمها بدعم قوات الدعم السريع، مستندة إلى أدلتها وإلى كثير من التقارير الإقليمية والدولية التي تؤكد وجهة نظرها وهو ما ظلت تنفيه الأولى، نجد دولاً مثل الكويت وقطر والبحرين كانت لها مواقفها الواضحة، بل سعت البحرين إلى عقد اجتماعات بين طرفي الحرب توج باتفاق المنامة في فبراير 2024، والذي نقضه الجيش السوداني فيما بعد. وفي المغرب العربي ظلت الجزائر، ومن مواقع دولية في مجلس الأمن أو محلية، تسعى لوضع بصمتها في سيرة الحرب السودانية. أما مصر، الجارة الشمالية للسودان، فترتبط بمصالح اقتصادية وأمنية واجتماعية مباشرة معه مما يجعل انخراطها في الحرب، سلباً أو إيجاباً، يفهم في إطار العلاقات الممتدة بينهما.

كل ذلك، وصمت يكاد يكون مطبقاً من جامعة الدولة العربية، وربما سمع بها بعض السودانيين لأول مرة وهم يلجأون إلى مصر ويقيمون في عاصمتها، كواحد من الشوارع الرئيسية في القاهرة. وربما يعود صمت الجامعة إلى سنوات للوراء، إذ لم يشهد لها حضور مؤثر في المشهد الفلسطيني وحروب عزة المتواصلة، بل ظل دورها متراجعاً منذ عقودن وربما كان أكثر المواقف قوة هو القرار العربي بنقل مقرها إلى تونس بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية منتصف السبيعينيات من القرن الماضي.

هذا الضعف البائن ربما دفع الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، في العام 2002ن لأن يحتج في برنامج على إحدى القنوات الفضائية المصرية "صدى البلد" بأن هناك دولاً تسعى إلى إنهاء دور الجامعة والقضاء عليها، واتهم تركيا وإيران صراحة. لكن هل هذا يعفي المنظمة العربية التي تأسست في العام 1945، وتصل ميزانيتها السنوية إلى 60 مليون دولار أمريكي؟

موت سريري
يقول الصحفي المصري المختص في الشئون الدولية والعلاقات الجيوسياسية، أحمد عبد الله، لـ"مواطنون" إن الجامعة العربية للأسف تعيش حالة سبات وموت سريري، لن ينقذها منه أي شيء.

وأشار إلى أن القمة التي انعقدت في العراق ومن بعدها في المنامة، خلال هذا العام، أثبتت أنها تعيش في أضعف حالاتها. وقال إنها تعاني من انقسام كبير واستقطاب حاد، وفشلت في التعامل على مدار سنتين أو أكثر في التدخل في حرب السودان التي اندلعت قبل حرب غزة بستة أشهر. وأضاف "تم تجاهل الأمر تماماً من قِبَل جامعة الدول العربية باستثناء بعض البيانات الضعيفة". وأن الأمر ينطبق على غزة "لم نر إلا اجتماع القمة العربية في الرياض الذي شجب وأدان، بدون أي تدخل".

قمة المنامة المنعقدة في مايو 2024، جاء فيها ذكر السودان في البيان الختامي على استحياء "نعبّر عن كامل تضامننا مع جمهورية السودان الشقيق، في الحفاظ على سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية وفي طليعتها القوات المسلحة، وندعو إلى الالتزام بتنفيذ إعلان جدة بغية التوصل الى وقف لإطلاق نار يكفل فتح مسارات الإغاثة الإنسانية وحماية المدنيين. كما نحثّ الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع على الانخراط الجاد والفعال مع مبادرات تسوية الأزمة ومن بينها منبر جدة ودول الجوار وغيرها، من أجل إنهاء الصراع الدائر واستعادة الأمن والاستقرار في السودان وإنهاء محنة الشعب السوداني الشقيق".

ولم تفارقها قمة بغداد، بعد عام، قيد أنمُلة في تذكر أكثر خجلاً بحرب السودان، بأن دعت الأطراف كافة إلى الانخراط في مبادرات تسوية الأزمة "مثل" مبادرة إعلان جدة وغيرها من المبادرات. كما رحبت بالبيان الصادر عن الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية في أفريقيا “إيغاد” الذي نص على توحيد منابر حل الأزمة في السودان، وتبني نهج منسّق لعمل جماعي لوقف الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023 والوصول إلى سلام شامل.

عوامل مختلفة
عمر القضاة، الصحفي الأردني، يتفق مع المصري أحمد عبد الله في أن دور جامعة الدول العربية أصبح محدوداً. وقال لـ"مواطنون" إنها اكتفت في مراحل عديدة بإصدار بيانات إدانة والدعوة إلى الحوار، من دون تطوير آلية عربية فاعلة أو إطار سياسي جامع يضع الأطراف السودانية أمام مسؤولياتها، ويمنح الوساطة العربية أدوات ضغط حقيقية.

وعزا القضاة تراجع الموقف العربي تجاه السودان إلى تحديات المتراكمة، أجملها في تداعيات الربيع العربي المستمرة، تصاعد الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي الذي بلغ ذروته خلال العامين الماضيين مع الحرب الإبادة في غزة، إضافة إلى جائحة كورونا وما رافقها من إنهاك للاقتصادات العربية، فضلا عن تعقيدات الأزمة السورية وتفكك مؤسسات الدولة وانتشار الميليشيات.

وقال "في المقابل، يتحرك المجتمع الدولي ببطء ملحوظ، مع تركيز واضح من القوى الغربية – وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – على إدارة الجوانب الإنسانية للأزمة أكثر من الدفع الجاد باتجاه وقف الحرب. وتفاقمت الصورة بسبب تعدد مسارات التفاوض وتنافس الوسطاء وغياب مرجعية موحدة، مما أضعف فرص تحقيق أي اختراق سياسي حتى الآن".

وطالب القضاة جامعة الدول العربية أن تعيد بناء مقاربتها تجاه السودان على أساس جديد، " إذ لم يعد كافيا الاكتفاء بالمواقف اللفظية أو الدعوات العامة، بل المطلوب تأسيس آلية عربية مشتركة تنهي حالة التشتت في المبادرات القائمة، ويمكن لهذه الآلية أن تتجسد في لجنة مشتركة تضم الجامعة العربية ودول الجوار السوداني، مع تحديد صلاحيات واضحة في الوساطة والدعم، على أن تحظى بإسناد سياسي ولوجستي من الأمم المتحدة".

السودانيون لا يسألون ولا يتساءلون
لم ينشغل السودانيون على المستوى القاعدي بدور للجامعة في الشأن الوطني، بل لا يكاد الجيل الأخير منهم يعرف أن هناك ما يعرف بجامعة الدول العربية. ولعل ذلك مرده إلى التحولات الجيوسياسية الكبيرة التي حدثت منذ انتهاء حقبة نضالات التحرر الوطني في العالم العربية وأفريقيا.

وربما انشغالهم بحروب مستمرة لا تترك لهم وقتاً لالتقاط انفاسهم ولا لترف التفكير في مسألة الهوية، فهم يعيشون ويكابدون معركة الوجود والبقاء. وإن كانت العربية والأفريقانية ظلت تمثل الثيمة الرئيسية في سؤال الهوية في السودان، وربما كانت سبباً في حروبه في مرحلة ما من مراحل تاريخه.

طبيعة الحرب الأخيرة، والتي لا تزال مستمرة، لا علاقة لها بالهوية ولا العربية والأفريقانية، فهي حرب مصالح بامتياز اختلط فيها الحبل بالنابل. لعل أبرز تجليات هذا الواقع تتمظهر في لجوء الملايين من السودانيين فرارا من الحرب ونجاة بحياتهم إلى دول الجوار الأقرب سواء كانت عربية أو أفريقية. فدولة مثل مصر استقبلت اللاجئين مئات الآلاف منهم مثلما استقبلت دولة جنب السودان وتشاد مئات الآلاف وكذلك أثيوبيا، بل تجاوزوها أفريقياً إلى عمق تجاوز الحدود المباشرة إلى دول مثل يوغندا كينيا وحتى رواندا.

معرض الصور