تم النشر بتاريخ: ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٥ 17:29:54
تم التحديث: ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٥ 17:43:35

منظمة هولندية: كيف تغذي تجارة الصمغ العربي الحرب في السودان

مواطنون
كشف تقرير نشرته منظمة "PAX" الهولندية، في نوفمبر 2025، عن صورة معمّقة لكيفية تحوّل تجارة الصمغ العربي في السودان من قطاع زراعي تقليدي يعتاش عليه ملايين السكان إلى عنصر حاسم في اقتصاد الحرب، ورافد مالي مباشر لأطراف الصراع—خصوصًا قوات الدعم السريع—عبر النهب والجبايات والتهريب، وصولًا إلى سلاسل الإمداد الأوروبية التي تستمر في استقبال الصمغ السوداني رغم ظروف الحرب وآثارها المأساوية.

يشير التقرير إلى أن الصمغ العربي، المستخرج من أشجار الهشاب والطلح، يُعد مادة لا غنى عنها في الصناعات الغذائية والدوائية ومستحضرات التجميل، إذ يدخل في إنتاج المشروبات الغازية، الشوكولاتة، الأدوية، معاجين الأسنان، والمستحضرات الطبية والغذائية

ويعتمد العالم بدرجة كبيرة على السودان الذي كان ينتج قبل الحرب نحو 70–80% من الإمداد العالمي.

الصمغ في قلب الحرب السودانية
منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، أدى الصراع إلى مقتل أكثر من 150 ألف شخص وتشريد ما يزيد عن 12 مليونًا، فيما وصفته الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم. في هذا السياق، أصبحت السيطرة على الموارد—ومنها الصمغ—جزءًا من الاقتصاد الحربي. يُظهر التقرير أن مناطق إنتاج الصمغ في كردفان ودارفور تقع بمعظمها تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ما جعلها قادرة على التحكم في التجارة والجبايات وطرق العبور.

قوات الدعم السريع والسيطرة المنهجية
قام عناصر الدعم السريع بنهب ما يقدَّر بعشرات الآلاف من الأطنان من مخازن الصمغ، بما في ذلك 3,000 طن من مخازن شركة "أفريتِك"، كما فرضوا رسوم عبور تتراوح بين 500 و2500 دولار للشاحنة، بالإضافة إلى "الزكاة" المفروضة على التجار

هذه الجبايات، إضافةً إلى سيطرتهم على طرق النقل، حوّلت التجارة إلى نشاط تديره جماعات مسلحة بطرق منظمة.

التهريب إلى دول الجوار
بسبب المخاطر والرسوم الباهظة، لجأ التجار إلى تهريب الصمغ عبر تشاد وجنوب السودان ومصر وليبيا، وهي طرق كانت موجودة قبل الحرب لكنها تحوّلت الآن إلى جزء من اقتصاد ظل واسع. يشير التقرير إلى أن ما يصل إلى 70 ألف طن من الصمغ يعبر سنويًا من مناطق سيطرة الدعم السريع إلى الحدود التشادية، فيما يصل 40 ألف طن إلى مصر وليبيا عبر طرق صحراوية

يُباع الصمغ في هذه الدول على أنه إنتاج محلي رغم أن معظم الإنتاج يأتي من السودان، ما يسمح للتجار الأوروبيين باستيراده "نظيفًا" ورقيًا دون إثبات صلته بالحرب.

الأسواق الأوروبية ودور الشركات
يُسلّط التقرير الضوء على أن شركات فرنسية وألمانية مثل Nexira وAlland & Robert وWolff تهيمن على أكثر من نصف عمليات معالجة الصمغ العالمي. ورغم تأكيد هذه الشركات التزامها بسلسلة توريد مسؤولة، فإن الأدلة تشير إلى صعوبة التحقق من مصادر الصمغ بشكل فعلي، خصوصًا في ظل التهريب والخلط بين المنتَج السوداني ومنتجات دول الجوار.

تقول الشركات إنها لا تشتري “صمغًا مهرّبًا”، لكن التجار المحليين يؤكدون أن معظم الصمغ المتداول خارج السودان هو في الأصل سوداني عبر طرق غير قانونية، ولا يمكن التمييز بينه وبين الإنتاج المحلي لدول الجوار بسبب غياب الأوراق الرسمية

التشريعات الدولية وضعف الرقابة
يبيّن التقرير أن التشريعات الأوروبية المتعلقة بسلاسل التوريد—مثل قانون اليقظة الفرنسي (Loi de vigilance) والتوجيه الأوروبي الجديد للالتزام بالاستدامة—لا تزال غير فعّالة في التعامل مع سلاسل التوريد القادمة من مناطق النزاع، إذ تركز على الجوانب البيئية والعمالية دون معالجة اقتصاد الحرب أو التمويل غير المباشر للجماعات المسلحة.

ورغم أن شركات كبرى مثل “لوريال” ملزمة قانونيًا بتطبيق معايير صارمة، فإن تقاريرها لا تشير إلى الصمغ السوداني، ما يكشف فجوات كبيرة في التطبيق والشفافية.

خلاصة
يخلص التقرير إلى أن الصمغ العربي أصبح مصدرًا ماليًا رئيسيًا في الحرب السودانية، وأن أجزاء واسعة من سلاسل التوريد العالمية باتت متورطة—بشكل مباشر أو غير مباشر—في تمويل جماعات مسلحة. ويطالب بتحرك أوروبي وعالمي لإلزام الشركات بالشفافية، وإجراء تدقيق مستقل، وفرض تدابير تمنع مرور الصمغ عبر قنوات تموّل الحرب، مع الحفاظ على معيشة ملايين المزارعين السودانيين.

معرض الصور