تم النشر بتاريخ: ٨ نوفمبر ٢٠٢٥ 18:16:37
تم التحديث: ٨ نوفمبر ٢٠٢٥ 18:21:12

الصورة: د. جمال الطيب

الطبيب جمال الطيب الفائز بالمليون دولار: ``هذا واجبي``

متابعات - مواطنون
المصدر: npr.org
يوم الخميس، فاز الدكتور جمال الطيب، بجائزة "أورورا لإيقاظ الإنسانية" البالغة قيمتها مليون دولار، والتي تُكرّم الأفراد الذين يُخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين. وأشادت لجنة الجائزة بـ"شجاعته الاستثنائية وتفانيه الراسخ في تقديم الرعاية للمحاصرين في الصراع".

كانت لحظة انتصار لرجل عانى من ألم متواصل على مدار العامين الماضيين.

اندلعت الحرب الأهلية في بلاده عام ٢٠٢٣، حيث كانت جماعة شبه عسكرية تُقاتل القوات الحكومية. وفي مقابلة مع NPR عبر زووم، قال الطيب: "أينما نظرت، تجد ألمًا لا تُوصفه الكلمات".

في حديثه مع الإذاعة الوطنية العامة، ناقش الطيب عمله - وإعجابه بمواطنيه. يقول: "كان واجبي تجاه بلدي وشعبي. الناس بحاجة إلى من يرعاهم".

وتردد الأمم المتحدة هذا الشعور، حيث وصفت الحرب الأهلية في البلاد بأنها الأزمة الإنسانية الأكثر تدميرًا في العالم. قُتل أكثر من 150 ألف شخص وشُرد أكثر من 12 مليون شخص. ومع ذلك، ظلّ الطيب ثابتًا في خدمة الشعب السوداني. وهو جراح عظام، ومدير مستشفى "الناو" في أم درمان، أحد المستشفيات التي لا تزال تعمل في المناطق المحيطة بالعاصمة الخرطوم.

 

كيف يكون علاج المرضى في زمن الحرب هذا؟

يُعدّ تقديم الرعاية الصحية بأقل الإمكانيات من أصعب الأمور التي يمكن لأي شخص القيام بها. نعمل كل يوم في ظروف صعبة، بالكاد يكفينا ما يكفي لإبقاء الناس على قيد الحياة. وتنفد منا الأدوية والإمدادات والمياه النظيفة والكهرباء، حتى أبسط الأدوات الطبية. لكننا نتعلم كيف نرتجل، ونحافظ على هدوئنا في خضم الفوضى، ونصنع شيئًا من العدم. أحيانًا، ضمادة واحدة، ربما بضعة أقراص، أو حتى مجرد إمساك أيدي المرضى والتحدث إليهم، كل ما نستطيع تقديمه. لكن هذا يعني الكثير - للمرضى ولنا.

كيف هي بيئة العمل بالنسبة لك ولغيرك من العاملين الصحيين في خضم النزاع؟

إنهم أبطال وقفوا بجانبنا. جاؤوا إلى المستشفى مدركين أن حياتهم في خطر. الجو يملؤه الخوف. ومع ذلك، فهم يبقون. يقدمون الرعاية الطبية لمرضاهم. يبقون لأنهم يعلمون أنه إن لم يفعلوا، سيموت المزيد من الناس. الأمر بهذه البساطة.

ما الذي تريدون أن يفهمه الناس عما يحدث في السودان؟

لا يزال الوضع مدمرًا، لكن الصمت هو المؤلم أكثر.

نشرت بعض وسائل الإعلام تقارير عن السودان، لكن هذا ليس كافيًا. نحن بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، وربما مزيد من التغطية الإعلامية، ومزيد من التواصل. يجب أن يعلم العالم أن هذا البلد لا يزال ينزف. وعلينا أن نكون صادقين، هذه الحرب لا تُقارن بما يحدث في أي صراع آخر في العالم.

عادةً ما يكون الهدف المعلن في مثل هذه الحروب والصراعات تدمير منظمات معينة، وربما بنى تحتية. وغالبًا ما يكون مقتل المدنيين أضرارًا جانبية. لكن هنا في السودان، نحن المدنيون، المستهدفون. الهدف هو إبادة مجموعات بشرية بأكملها.

في بلادنا، تُباد مجتمعات بأكملها، وتُشرد عائلات. يُقتل الناس لمجرد هويتهم.

لو رأى الناس هنا ما نراه كل يوم، ولو سمعوا صرخات الناس التي تُردد في الليل، لما كان الصمت خيارًا. على العالم أن يتحرك.

ما نوع العنف الذي تشهدونه؟

مستوى العنف وما يحدث خلال هذه الحرب لا يُصدق. لم أتخيل يومًا أن أواجه مثل هذه الأمور طوال حياتي العملية، وكان الأمر صادمًا حقًا، وخاصةً أن عدد الأطفال والنساء الذين تعرضوا للتعذيب والصدمات النفسية أو تُركوا في حالة صدمة لا يُحصى.

ما يحدث الآن في الفاشر بنفس الوحشية ليس مجرد صراع، بل هو نوع من الإبادة الجماعية.

هل تقديرات القتلى دقيقة؟

من المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير. لقد أُخليت مدن بأكملها، وتمزقت عائلات، ودُمرت أجيال.

ماذا يعني لك الفوز بهذه الجائزة؟

إنه رمز للأمل. يمنح الناس شعورًا بأنك لست وحدك، لست منسيًا.

ما الذي يدفعك للاستمرار؟

هناك أيام تشعر فيها أن المعاناة ثقيلة جدًا، تتساءل فيها إن كان ما تفعله سيكفي يومًا ما. لكنك حينها سترى مريضًا جريحًا يبدأ بالشفاء. تسمع طفلًا يتنفس. وأعتقد أنك في تلك اللحظة تشعر بقوة داخلية لمواصلة العمل.

في قلب الدمار، محاطًا بالفقد، أرى قوة لا توصف. أرى أمهات فقدن كل شيء ما زلن يكسرن كسرة خبز ليتقاسمنها مع غريب. أرى أطفالًا يبتسمون رغم الجوع والألم، ينشرون النور في أماكن لا وجود لها. أرى أطباء وممرضين وزملائي وأصدقائي ومتطوعين يعملون رغم الإرهاق والخوف بقلوبهم وشجاعتهم فقط.

لقد علمنا الشعب السوداني أن الأمل ليس شيئًا ننتظره. إنه شيء نبنيه بأيدينا. حتى في أحلك الأوقات. كل بادرة اهتمام، كل نبضة قلب مستمرة، هي تحدٍّ. إنها طريقة لنقول للعالم: ما زلنا هنا، وحياتنا مهمة، وحياة السودانيين مهمة. وما دام السودان يتنفس، وما دام طفل واحد، وأم واحدة، سأواصل خدمتي، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبقاء، بل يتعلق بالكرامة، والإنسانية، والأمل الذي لا يموت.

معرض الصور