تم النشر بتاريخ: ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥ 21:17:19
تم التحديث: ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥ 22:44:24

المبادرتان تتشاركان الأهداف الأساسية لإنهاء الأزمة السودانية

هل تنجح خطة الرباعية الطموحة حيث فشلت جدة؟

<p>د. سامي عبد الحليم سعيد</p>

د. سامي عبد الحليم سعيد

مبادرتان دبلوماسيتان لأزمة واحدة
في 12 سبتمبر 2025، أصدرت الرباعية - التي تضم مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية - بيانًا مشتركًا يقترح مسارًا لإنهاء الصراع في السودان. ويذكّر البيان بأن الحرب قد تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وتشكل مخاطر جسيمة على السلام والأمن الإقليميين. ودعا وزراء الرباعية إلى هدنة إنسانية أولية لمدة ثلاثة أشهر لتسهيل الدخول السريع للمساعدات الإنسانية، مما من شأنه أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية انتقالية شاملة على الفور.

وفي وقت سابق، في مايو 2023، سهّلت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مفاوضات مطولة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما أسفر عن توقيع إعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان. يشترك كلٌّ من إعلان جدة ومقترح الرباعية في الهدف الأساسي المتمثل في إنهاء الصراع في السودان، وحماية المدنيين، وتسهيل المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، ثمة اختلافات جوهرية في نطاقهما ونهجهما والسياق السياسي الذي وُضعا فيه.

الأسس المشتركة وأوجه التشابه الجوهرية بين المبادرتين
التركيز الإنساني: تُولي كلتا المبادرتين الأولوية لمعالجة الأزمة الإنسانية. وتدعوان إلى حماية المدنيين، وضمان المرور الآمن، وتوفير وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

الالتزام بالقانون الدولي: تُشير كلتا الوثيقتين صراحةً إلى التزامات الأطراف المتحاربة بموجب القانون الإنساني الدولي. بل إن مقترح الرباعية يُشير إلى الالتزامات الواردة في إعلان جدة، مما يُشير إلى استمرارية الهدف.

رفض الحل العسكري: يتفق البيانان على أن الصراع لا يمكن حله عسكريًا، وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدمًا.

الحوكمة بقيادة المدنيين: تُؤكد كلتا المبادرتين على أهمية أن يقود المدنيون حكومة سودانية مستقبلية. وتُشددان على أن الشعب السوداني، وليس الأطراف المتحاربة، هو من يُحدد مستقبل بلاده.

الوساطة الخارجية: كلاهما ثمرة جهود دبلوماسية خارجية. وقد سهّلت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إعلان جدة. وفي الوقت نفسه، يشمل مقترح الرباعية تحالفًا أوسع من القوى الإقليمية والدولية (مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة).

الاختلافات الرئيسية في النطاق والنهج
النطاق والتفاصيل: إعلان جدة هو "إعلان التزام" يركز على قواعد سلوك ميدانية محددة للأطراف المتحاربة فيما يتعلق بالمدنيين والمساعدات الإنسانية. وهو في جوهره إطار عمل إنساني لوقف إطلاق النار على المدى القصير. في المقابل، يُعد مقترح الرباعية خارطة طريق سياسية أكثر شمولاً. فهو لا يتناول القضايا الإنسانية فحسب، بل يضع أيضًا جدولًا زمنيًا مفصلاً للانتقال السياسي، بما في ذلك هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر تليها فترة انتقالية مدتها تسعة أشهر إلى الحكم المدني.

الجهات الفاعلة المعنية: هذا تمييز بالغ الأهمية. كان إعلان جدة اتفاقًا مباشرًا وقّعته القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. مقترح الرباعية بيانٌ مشتركٌ صادرٌ عن مجموعةٍ من الدول المعنية، وليس اتفاقًا مباشرًا بين الأطراف المتحاربة نفسها.

هذه هي النقطة الجوهرية التي تختلف فيها مبادرة الرباعية عن إعلان جدة. يكمن التحدي الذي تواجهه مبادرة الرباعية في كيفية إقناع الطرفين بالجلوس للتفاوض وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار. يختبر هذا التحدي تأثير دول الرباعية على الطرفين، كما يختبر قوة وتماسك تحالف الرباعية نفسه. من الضروري اعتبار إعلان جدة جزءًا من إطار التفاوض، إذ يُمثل أسس وقف إطلاق النار، وقد وقّعه الطرفان سابقًا برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

رفض جماعاتٍ محددة: يخطو مقترح الرباعية خطوةً أبعد من ذلك برفضه الصريح لدور "الجماعات المتطرفة العنيفة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو المرتبطة بها بشكل واضح" في المستقبل السياسي للسودان. لم يُنصّ على هذا البعد السياسي صراحةً في إعلان جدة الأصلي.

بعد أن استمرت الحرب لأكثر من عامين، برز دور الجماعات المتطرفة والعنيفة. وبدأت وسائل التواصل الاجتماعي بتوثيق أدوار هذه الجماعات والجرائم التي ترتكبها. ونظرًا لخطورتها ودورها المتنامي بشكل واضح، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بعضها، واصفةً إياها بتهديد الاستقرار الإقليمي.

الدعم العسكري الخارجي: يدعو مقترح الرباعية تحديدًا إلى إنهاء الدعم العسكري الخارجي لأطراف النزاع، مُقرًا بعامل رئيسي أطال أمد الحرب. ورغم تركيز إعلان جدة على أعمال القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إلا أنه لم يُشر صراحةً إلى دور القوى الأجنبية في إمدادهما.

معركة شاقة: التحديات التي تواجه مقترح الرباعية
على الرغم من شموليته، يواجه مقترح الرباعية عدة تحديات كبيرة، تنبع أساسًا من طبيعته كخطة دبلوماسية رفيعة المستوى وليس اتفاقية موقعة.

غياب الدعم من الأطراف المتحاربة: يتمثل التحدي الأكثر إلحاحًا في غياب الالتزام المباشر من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وقد رفضت الحكومة السودانية، المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية، المقترح بالفعل. لقد رفضت اقتراح استبعادها من المرحلة الانتقالية لما بعد الحرب، مُجادلةً بأن الشعب السوداني وحده، بقيادة المؤسسات القائمة، هو من يقرر مستقبله. لا تزال كلٌّ من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تسعى لتحقيق نصر عسكري، مما يجعل من غير المرجح موافقتهما على عملية سياسية تُهمّشهما. رفضت القوات المسلحة السودانية مرارًا وتكرارًا المفاوضات المباشرة مع قوات الدعم السريع، وهو موقف يُعزيه المراقبون إلى نفوذ جماعة الإخوان المسلمين داخل المؤسسات العسكرية الرئيسية، التي تُصرّ على أن تكون جزءًا من المعادلة السياسية المستقبلية.

فشل الاتفاقات السابقة: تعرّض إعلان جدة نفسه، على الرغم من كونه التزامًا مُوقّعًا، للانتهاك مرارًا وتكرارًا. يُثير هذا التاريخ من عدم الامتثال شكوكًا حول ما إذا كانت الأطراف المتحاربة ستلتزم بمقترح جديد، لا سيما اقتراح يُنظر إليه على أنه مفروض من الخارج. يخشى أعضاء حزب المؤتمر الوطني السابق والإسلاميون داخل الجيش من أي تغيير مُستقبلي قد يُؤدي إلى المساءلة عن جرائم الماضي والفساد. هذا الخوف حاضر أيضًا داخل قيادة قوات الدعم السريع، التي ارتكبت انتهاكات واسعة النطاق لقواعد الحرب.

النفوذ الخارجي والصراعات بالوكالة: تُقرّ دعوة المقترح لإنهاء الدعم العسكري الخارجي بتحدٍّ كبير. يُغذّي الصراع قوى أجنبية تُزوّد كلا الجانبين بالأسلحة والتمويل. ويُشكّل إقناع هذه الجهات الخارجية بوقف دعمها عقبة دبلوماسية كبيرة، تُعقّدها حقيقة أن بعض أعضاء الرباعية أنفسهم مُتّهمون بالانحياز إلى أحد الطرفين.

الانقسامات الداخلية في السودان: يدعو المقترح إلى "عملية انتقال شاملة وشفافة". ومع ذلك، فإن توحيد المجموعات السياسية والمجتمع المدني المتنوعة في السودان مهمةٌ جسيمة. فقد عمّق الصراع الانقسامات السياسية والعرقية والإقليمية القائمة، حيث تتبنّى فصائل عديدة رؤىً متنافسة لمستقبل البلاد.

جدول زمني طموح وضعف في التنفيذ: يُعدّ الجدول الزمني المقترح - هدنة لمدة ثلاثة أشهر تليها فترة انتقالية لمدة تسعة أشهر - طموحًا للغاية بالنظر إلى الأعمال العدائية المستمرة. وبدون آلية إنفاذ قوية وفعالة، فإن هذا الجدول الزمني مُعرّضٌ لخطر التجاهل، كما حدث مع محاولات وقف إطلاق النار السابقة. قد لا تكون قدرة الرباعية على "ممارسة مساعيها الحميدة" و"مناقشة خطوات إضافية" كافية لإجبارها على الامتثال.

مهما قيل عن مبادرة الرباعية، فهي ثمرة إجماع دولي وإقليمي لوقف الحرب المدمرة الدائرة في السودان منذ عام ٢٠٢٣، والتي راح ضحيتها آلاف الأشخاص. دُمرت البنية التحتية للبلاد بشكل غير مسبوق في أي حرب أخرى. جاءت المبادرة بعد صمت عالمي تجاه الحرب في السودان لفترة طويلة، حتى شعر السودانيون أن العالم قد تخلّى عنهم للموت والدمار والإبادة الجماعية. من المتوقع أن تحقق هذه المبادرة إنجازات عديدة لصالح السلام إذا نجحت في إشراك جميع الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي السوداني وممارسة الضغط على الأطراف المتحاربة.

  • الدكتور سامي عبد الحليم سعيد، محامٍ دستوري سوداني، هو نائب رئيس الشبكة الأفريقية للمحامين الدستوريين (ANCL)، ومقرها كيب تاون، جنوب أفريقيا. يمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني: advosami@gmail.com

معرض الصور