
الصورة المصغرة لسنوات ``تصحيح المسار`` في السودان
يوسف عبد الله
تواصل الحرب عملياتها وتداعياتها في السودان. وحتى الآن يمكن النظر إليها باعتبارها ثمرة سياسية، لكنها مرة، لعملية "تصحيح المسار"، وهو اسم المشروع السياسي الذي اختاره قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ونائبه وقتها، محمد حمدان دقلو، للانقلاب الذي أنهى مبكرا (25 أكتوبر 2025) عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد، ثم عادا واختلفا حوله بحرب تدميرية كاملة.
بعد أشهر قليلة سيدخل السودان في سنته الرابعة من سنوات "تصحيح المسار"، فإلى أين وصل التصحيح؟ لنراه عبر صورة مصغرة.
يشير آخر تحليل صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن معظم قطاعات الاستجابة الإنسانية في السودان تعاني من الفجوات التمويلية المقلقة بسبب الحرب التي نشأت بين الجيش وقوات الدعم السريع. وعلى سبيل المثال، لم يحظ قطاع التعليم سوى بـ 1 بالمئة فقط من احتياجاته، ولم يزد التمويل المرصود لقطاع التغذية عن نسبة 3 بالمئة فقط، بينما حصلت الصحة على نحو 10 بالمئة.
بقياس آخر، ارتفع عدد المحتاجين للمساعدات إلى 30.4 مليون شخص، وهو "مستوى غير مسبوق" كما تقول المؤسسة الأممية. وتشير إلى أن تزايد حدة الأزمة، تدفع الشركاء في العمل الإنساني إلى جمع 4.2 مليار دولار خلال عام 2025 لتقديم الدعم المنقذ للحياة لما يصل إلى21 مليون شخص في مختلف أنحاء البلاد، وهو نصف عدد السكان.
لكن هذا الرقم ما زال بعيد المنال؛ فحتى 31 مايو الماضي، لم يجمع شركاء العمل الإنساني سوى 13.5% من إجمالي المبلغ المطلوب، وهو ما يعادل 563 مليون دولار فقط. ما اضطر الشركاء إلى خفض نطاق الاستجابة ليشمل 18 مليون شخص فقط، مع الحاجة الملحة إلى 3 مليارات دولار لضمان توفير الحد الأدنى من الخدمات والمساعدات.
وفي الواقع، فإن هذا الوضع الكارثي المتفاقم يحتم الاستجابة الدولية والوطنية العاجلة والمستدامة، نظرا لضخامة الاحتياجات وتفاقم الأزمة الإنسانية في مختلف أنحاء البلاد المضطربة. وكذلك، لا زالت الخطط الحكومية منعدمة، ولا تظهر إلا في شكل بروباغدا سياسية تمتدح آداء السلطة في بورتسودان.
وإزاء ذلك وغيره، تواجه قطاعات حيوية، مثل قطاع المياه والإصحاح والنظافة، نقصا تمويليا يتجاوز نسبة 90 بالمئة كما تؤكد الأمم المتحدة، وهي نسبة مفزعة تحد من عمليات الوصول إلى الملايين من المحتاجين المرصودين.
وفي الواقع ونظرا للضعف الذي اعترى الدولة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، تلعب المساعدات دورا حاسما في تمكين الأسر السودانية من اتخاذ القرارات الملائمة لاحتياجاتها، ومن شأن هذه المساعدات أن تخفف من وطأة المعاناة الناتجة عن الحرب، لكن هذه المساعدات لن تكون الحل النهائي، بأي حال من الأحوال، في ظل تزايد معدلات النزوح والفقر والبطالة، فما زالت الحرب تقول كلمتها وتعرض الملايين من السودانيين لخطر المجاعة والمرض وانعدام الحماية.