26/06/2025

الإعلام في خطاب حكومة (الأمل)

خالد ماسا

والمصطلح في حد ذاته "حكومة الأمل" جديدٌ على الحالة السودانية التي شهدت أوصافًا متعددة للحكومات التي تعاقبت على السودان منذ الاستقلال وحتى الوصول لحالة الحرب الحالية، وكان التوصيف في غالبه يُعطي المتعامل معه تفصيلًا للحالة القانونية أو السياسية التي تعيشها الدولة السودانية، ابتداءً من نسبتها إلى أسماء بعينها، كالقول بحكومة "عبود" إشارةً للنظام العسكري ورأسه الذي حكم وقتها، أو القول بحكومة "الائتلاف" إشارةً للتحالف الحزبي الذي شكّل الحكومة حينها.

وجرت العادة لدى السودانيين بتسمية الحكومة في اليوم الأول لولادتها وتوصيفها بحسب التاريخ الذي جاءت فيه سلمًا أو كرهًا، عسكريةً كانت أو مدنية؛ ولذلك فإننا نجد في سجل التسميات حكومة "أكتوبر"، وحكومة "مايو"، ونظام "الإنقاذ" عطفًا على التسمية التي اختارها منفذو انقلاب الثلاثين من يونيو ٨٩. كما لم يَخْلُ سجل ميلاد الحكومات في السودان من تسمية الحكومة "الانتقالية" بعد ظرف ثورة ديسمبر، أو تسمية حكومة "الانقلاب" أو حكومة "الأمر الواقع" بعد قرارات ٢٥ أكتوبر.

الميلاد في زمن الحرب
تعثّر ميلاد الحكومة في حد ذاته بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر، وزاد اندلاع الحرب في أبريل ٢٠٢٣م الطين بِلّة، ليبقى التوصيف متأرجحًا بين اسمين: حكومة انتقال، وحكومة الأمر الواقع. إلا أن جاء قرار تعيين السيد الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء وتفويضه، وفقًا لقرار التعيين، لتشكيل الحكومة، فبدأ في التاسع عشر من يونيو بالخطاب الذي شرح فيه محددات تشكيل حكومته وملامحها العامة، وحرّر لذلك شهادة ميلاد باسم حكومة "الأمل"، وهو الاسم الأكثر اتساقًا مع حالة الحرب التي يعيشها السودان والسودانيون منذ عامين.

لم تُخالف تسمية "حكومة الأمل" التقليد السوداني الذي تتبعه الأسر السودانية في تسمية المواليد باختيار اسم الجد والجدة (للأب أو الأم) المتوفَّيْن للمولود البِكر في الأسرة تيمنًا أو عُرفانًا، إذ إن المتوفَّى للشعب السوداني في هذه الحرب كان هو "الأمل"، وكان الإجهاض الأول يحمل اسم الحكومة "الديمقراطية" بعد فترة الانتقال التي لم تكتمل.

الإعلام والملامح العامة لحكومة الأمل
في خطاب حكومة الأمل الذي ألقاه الدكتور كامل إدريس، والذي لم يكن فيه المجال متاحًا للتعاطي مع التفاصيل، جاء على ذِكر محددات عامة لتشكيل حكومة الـ (٢٢) وزارة، وتصدّرت هذه المحددات: (التقشف / العدل والتسامح / محاربة التطرّف). وهي قضايا أصيلة في جدول تناول الإعلام لها كسلطة رابعة، أو قل ثالثة في ظلّ السكوت عن كيفية بناء سلطة التشريع إبّان فترة الأمل وغياب المجلس التشريعي والبرلمان.

تبقى سلطة الإعلام هي الرقيب على صَرف حكومة الأمل وتنفيذها لقيمة "التقشف" المذكورة، ولا أمل في اضطلاعها بهذا الدور إلا برفع كل كوابح الحريات المفروضة عليها وعلى العاملين فيها، وإجراء عمليات إصلاح قانوني لكل القوانين المُقيِّدة للحريات، ولا أمل في إنجاز ذلك مع استمرار أطول حالة طوارئ عرفها السودان.

التطرّف الآن يتم برعاية إعلامية رسمية، ومعه لن تشرق شمس الأمل في السودان قريبًا وإنْ توقّف صوت المدافع والرصاص، وسيظل هو العقبة الكؤود أمام استعادة اللحمة الوطنية التي مزّقتها الحرب.

هل الأمل في حاجة إلى وزارة إعلام؟
والإجابة على هذا السؤال تبدو صعبة في الحالة السودانية، وقد تأخّرت كثيرًا، وذلك للخلاف حولها وحول الأدوار المطلوبة من هذه الوزارة ومن الإعلام في آنٍ. وإن كان استدعاء منهج دمجها مع الثقافة والسياحة، المعتمد في غالبية الحكومات التي تم تشكيلها سابقًا، يميل إلى عدم استحقاقها لحقيبة وزارية منفصلة.

الأمل في بلد أنهكته الحرب يحتاج لمصفوفة قيم مهنية وأخلاقية في الإعلام، ولسقف عالٍ من الحريات محكوم بهذه المصفوفة، والتزام حكومي بحماية سلطة الإعلام في المجتمع، ورفع الحصانات عن منصّات وأقلام خطاب الكراهية والتطرّف العنيف.

الإعلام والتربية الوطنية
سياسة دمج الوزارات التي أوضحها خطاب حكومة الأمل كمنهاج للتقشف وخفض تكلفة الهيكل الوزاري، سمّت وزارة التعليم والحقتها بـ"التربية الوطنية"، ربما لقناعة بالحاجة الملحّة لدور حقيقي للمؤسسات التعليمية بمراحلها الأولى في استكمال الدور التعليمي بتربية وطنية، أظهرت الحرب الأخيرة شحًّا كبيرًا فيها زاد من خسائر الوطن والمواطنين، بينما رأى الخطاب دمج وزارة الإعلام مع الثقافة والسياحة، مع أننا نرى دورًا أعظم وأكثر تأثيرًا للإعلام في التربية الوطنية ورفع الحس الوطني، وأن الثقافة هي الأقرب أيضًا لصناعة تربية وطنية سليمة ومعافاة من عُوار التطرّف ونبذ الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه التي تكفلها المواطنة.
جزء كبير من الممارسة الإعلامية الآن، قبل وأثناء الحرب، يعمل باجتهاد على إفساد مخرجات التعليم على المشكلات التي تنتجها المناهج المعطوبة، والتي تم العبث فيها عمدًا لإتلاف وإضعاف قيمة الوطن لدى السودانيين، وتضييق مساحات الأمل في وطن حرٍّ، خيِّرٍ، ديمقراطي، يسع الجميع.

معرض الصور