
هل تكون الفاشر بداية الطريق نحو وقف الحرب في السودان؟
مواطنون
حوالي العام ومدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تواجه حصاراً وحرباً مما أدى إلى تردي الوضع الإنساني في المدينة ومخيمات النازحين حولها.
وشهدت المدينة مواجات متواصلة من هجوم الدعم السريع من أجل السيطرة عليها باعتبارها آخر المعاقل في إقليم دارفور التي يدافع عنها الجيش السوداني والقوات المشتركة المتحالفة معه، مما أعاق وصول المساعدات للمواطنين المتضررين في المعسكرات وفي المدينة.
قوات الدعم السريع تسيطر على كل مساحات واسعة من إقليم دارفور بولاياته الخمس، عدا مدينة الفاشر وأجزاء من ولاية شمال دارفور. وشنت قوات الدعم السريع هجمات عشرات الهجمات البرية على المدينة منذ مايو العام الماضي وهجمات بالمسيرات مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من المؤسسات الخدمية، وفرضت حصارا متواصلا على المدينة مما أدى إلى تنفاقم الأزمة الإنسانية والصحية.
في 13 يونيو 2024 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2736 الذي طالب فيه قوات الدعم السريع بفك الحصار عن الفاشر ومحبطها وسحل جميع القوات التي تهدد سلامة وأمن المدنيين.
وتوالت شكاوى المنظمات الدولية من عدم قدرتها على الوصول لإغاثة المدنيين بسبب الأوضاع الأمنية وتعرض كوادرها للخطر والمعوقات التي تواجههم من أطراف الحرب.
مؤخراً أعلن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، وبعد اتصالات متواصلة إلى الالتزام الذي تلقاه من أطراف النزاع في السودان بمنح "إمكانية وصول كاملة" لإيصال المساعدات إلى الفاشر ومخيم زمزم في ولاية شمال دارفور، وأكد أن المنظمة مُستنفرة للوصول إلى المدنيين الذين يواجهون وضعا حرجا ودعمهم.
وكان مجلس السيادة الانتقالي أعلن الإثنين أن الحكومة وافقت على إقامة قواعد إمداد لوجستية تابعة للأمم المتحدة حول مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور غربي السودان لتسهيل العمل الإنساني.
وقال مجلس السيادة في بيان صحفي "إن حكومة السودان وافقت على طلب الأمم المتحدة بإقامة قواعد إمداد لوجستية حول الفاشر في مناطق مليط وطويلة لتسهيل العمل الإنساني".
وتقع مدينة مليط على بعد نحو 56 كيلومترا شمال مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وتسيطر عليها قوات الدعم السريع.
فيما تقع مدينة طويلة علي بعد 70 كيلومترا غرب الفاشر، وتخضع لسيطرة قوات حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.
هل هناك أي دلالات يحملها هذا الالتزام من الطرفين إلى إمكانية أن هذه الخطوة تعني أن الفاشر هي آخر المعارك والتي ستجبر الجميع على الاتجاه نحو وقف الحرب وبداية الطريق إلى السلام في السودان؟
يقول الكاتب والأكاديمي، عبد الله آدم خاطر، إن الإعلان الذي صدر عن الأمم المتحدة نجاح استنفار المنظمة الدولية للوصول إلى المدنيين وهم يواجهون وضعا محرجاً، له دلالات عميقة واساسية يجب أن تذكر في هذه الحالة.
وقال في حديثه لـ"مواطنون" إن أول الدلالات هو سماح الأطراف المساندة للحرب بفتح المجال لوصول العون الانساني لمدينة الفاشر ومعسكر زمزم والمعسكرات الأخرى تقديراً للحالة الانسانية المتردية في المنطقة مما يعني أن الاطراف نفسها أدركت أن الحرب والسلاح كوسيلة لن تعني بأي حال من الأحوال الوصول إلى إنتصار يحقق إنسانية أي طرف من ألأطراف، ولذلك هذه الموافقة تعد مدخلاً لحفاظ الاطراف السودانية على إنسانيتها وأن بأمكانها السعي لحل المشاكل المتأزمة بوسائل غير الحرب واستخدام التجويع كسلاح في المعارك.
وأضاف خاطر بأن الدلالة الأهم، أن نداء الضمير الإنساني برز بشكل واضح جداً من أجل الفاشر التي اصبحت هدفا أساسيا ومرمى للنيران بشكل يومي ومدينة مقتلة لرموز مميزة على المستوى المعرفي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والفني. وأشار إلى أن هذا النداء الانساني مؤيد من كافة السودانيين في كل المناطق، "حرصت القوى الوطنية السودانية على ابراز هذا النداء بوسائل مختلفة سواء في داخل السودان أو في الخارج، والتعبير عن هذه المسألة بشكل كبير بخطاب مباشر للامم المتحدة". وقال إن هذا أدى دوره كاملاً في الضغط على الأطراف وأيضاً على المنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة في أنها تسعي وباستمرار للاستجابة للحالة الانسانية في الفاشر.
وقال خاطر "إضافة إلى ذلك هناك دلالة لا تقل أهمية وهي أن الحرب التي أصبحت جزءًا من الذكريات المؤلمة في مناطق السودان المختلفة سواء كان في الخرطوم أو مناطق أخرى في الوسط، أيضاً في طريقها لأن تكون ذات الذكريات المؤلمة ليس فقط في الفاشر ولكن في كل دارفور لأن المعالجة سوف تكون واحدة لاقليم دارفور في إطار فيدرالي ديمقراطي وفي إطار مصلحة المواطن ووحدة السودان وتنوعه وكل القضايا التي تمثل حلا للمشاكل السودانية.
وأضاف "ربما إعلان اليوم هو بداية الطريق لوقف الحرب في السودان، ولكن وقف الحرب ليس امرا سهلا، وعلى السودانيين أن يكونوا على استعداد أكبر لععالجة القضايا بصرامة أكثر وبإنسانية أعلى".
من جهته يرى الكاتب والناشط السياسي، منتصر إبراهيم، أن إمكانية وقف إطلاق النار مستبعدة في ظل التصعيد السياسي من جانب الطرفين.
وقال إبراهيم لـ"مواطنون" إن تحالف الدعم السريع لم بتبلور حتى الآن ليثبت وجوده على الصعيد الميداني. وتوقع أن يتجه هذا التحالف نحو التصعيد على جبهات أخرى والسعي لتحقيق انتصارات لإثبات الوجود.
في المقابل يرى إبراهيم إن تحالف القوات المشتركة ربما يتجه الى خلق تماسك جبهته، التي قال إن أمواج الإشاعات والتراشقات الإعلامية تتقاذفها، وأنها في حالة موت سريري.
وذهب إلى أن أفق الحل مستبعدة في القريب العاجل، الى جانب التصعيد الدولي وخصومات حكومة بورتسودان المتنامية مع دول الجوار ودول كان يمكن أن تكون فاعلة في حال التوجه نحو وقف الحرب أو الدفع في إتجاه التفاوض. وأضاف "وكل ذلك طبعاً يكشف تأثير القوى الدولية والإقليمية في ھذا الصراع".
وفقاً للأمم المتحدة، فقد فر 450 ألف شخص مؤخرا من مدينة الفاشر بسبب تصاعد القتال وحدة المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وقبل نحو أسبوع أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة علي مخيم زمزم، أكبر مخيمات النازحين في إقليم دارفور.
وقتل أكثر من 300 مدني خلال الأسبوع الماضي جراء اشتباكات وقعت حول مخيمي زمزم وأبوشوك للنازحين ومدينة الفاشر، وفق مصادر محلية.
ويسيطر الجيش السوداني على الفاشر، وتقاتل بجانبه حركات دارفورية مسلحة، كانت قد وقعت مع حكومة السودان في العام 2020 اتفاق "سلام جوبا"، من أبرزها حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم.
وتعد الفاشر مركز إقليم دارفور المكون من خمس ولايات وأكبر مدنه، والوحيدة بين عواصم ولايات الإقليم الأخرى التي لم تسقط بيد قوات الدعم السريع.