13/04/2025

عين على شمال بحري

نقلاً عن مجلة أتر
منذ أكتوبر الماضي، خفَّت العمليات العسكرية وبدأ الهدوء التدريجي يدبُّ في المنطقة شمال مدينة بحري في الخرطوم، حيث أعلن الجيش السوداني أن المنطقة "باتت آمنة" لاستقبال السكان، وأن السلطات بدأت بالفعل بفتح المستشفيات ومراكز الشرطة. وبالتزامن مع ذلك بدأت استجابة بطيئة للعودة الطوعية من المواطنين الذين غادروا منازلهم لنحو أكثر من 18 شهرا، قضوها في نزوح مكلف ومرهق. ومع تقدم الجيش وانفتاحه جنوبا وانسحاب الدعم السريع من مدينة بحرى بالكامل ومن أغلب العاصمة برمتها، بدا شمال مدينة بحري منطقة قابلة للعودة الممرحلة للسكان صوب منازلهم في رحلات جماعية وفردية، وتفتقت مظاهر الحياة في الشوارع والأسواق، سيما بعد انتهاء المعارك وأصوات الرصاص في منطقة شرق النيل وفتح طريق التحدي، الرابط بين مدينة بحري وشمال البلاد التي نزح إليها أغلب المواطنين.

يرصد مراسل "أتر" في رحلة بين مدينة شندي والحلفايا، حركة سيارات متقطعة في شارع التحدي، ومخلفات الحرب وآثارها المدمرة على جانبي الطريق. مئات السيارات المحروقة والمنهوبة واغلاق كامل لمحطات التزود بالخدمة من طلمبات وكافتريات ومحال، وآثار المعارك في مدخل مصفاة الجيلي للبترول واحتراق مئات جرارات الوقود في مدخل "كوبري الجوافة" بمنطقة الكدرو، في حرب الوقود المشهودة بين الجيش والدعم السريع. يخبر أحد المستفرين في حديث مع "أتر" أن حرائق التناكر كانت بواسطة الطيران والمسيرات وكماين دقيقة نصبها جيش الكدرو في مدخل الكوبري.

تختلط علامات الحرب بحركة البيع والشراء في سوق مدينة الجيلي، سيارات قليلة وباعة خضار ورواكيب وأطفال يعرضون فاكهة الجوافة، وتكثر نقاط التفتيش في القرى المكلومة في الجيلي والكباشي والسقاي والخوجلاب وحتى الكدرو والحلفايا، وتظهر مشاهد المنازل مهجورة ومشرعة الأبواب ومنهوبة بينما تزداد الحركة في تقاطع كبري الحلفايا من وإلى مدينة أمدرمان وهنالك انتشار عسكري كثيف، وازدحام ملحوظ أمام بنك الخرطوم بالحلفايا.

عادت بعض خدمات المياه بعد استعادة تشغيل محطتي شمال بحري والنية، في مارس، بنسبة 75% من قدرتهما التشغيلية، واستمرت عمليات صيانة وتغذية الخطوط، بحسب شهود عيان، بمنطقة دردوق ونبتة، ومن المتوقع عودة التيار الكهربائي إليها قريبا، كما رصد مراسل "أتر" وصول شاحناتٍ محملة بمواد إغاثية، تزامنا مع العودة الطوعية للمواطنين.

وقالت غرفة طوارئ مدينة بحري إنها نجحت، بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمة السلام المتحدة، في توفير شحنة مساعدات غير غذائية (NFIs) تستهدف 1000 أسرة نازحة في الأحامدة السامراب شمال، بواقع 740 حصة وفق خطة منظمة، حيث وصلت المساعدات إلى 140 أسرة في اليوم الأول، مع استمرار جهود التوزيع حتى إكمال المهمة في تاريخها المحدد.

يشكوا مواطنون عائدون تحدثوا لمراسل "أتر" غياب حملات اصحاح البيئة بعد عامين من اغلاق المنطقة والمنازل وانتشار البعوض والحشرات بكثافة، نتج عنه انتشار هائل للحميات في بيئة طبيعية وصحية وصفوها بالمتردية مع ضغط كبير على المستشفيات القليلة التي استأنفت العمل بصعوبة: "الكهرباء والمياه غير مستقرة، والبيئة سيئة جدا جدا". تقول احدى العائدات واسمها فاطمة، مضيفة: "المؤسسة التعاونية شغالة، بالإضافة الي أسواق صغيرة لا تفي بالغرض كاملا، كما أن هناك مدارس بدأت تعمل في الدروشاب والحلفايا".

بدوره يخبر المواطن ابوبكر عثمان عن عودته مع الأسرة الي بيته بالكدرو بعد غياب استمر لمدة 18 شهرا تقريبا. "وجدت بيتي منهوبا الا من القليل من الأثاث. لكني اصرّ علي عدم الرجوع نازحا مرة أخرى إلى شندي، واجتهد في تهيئة البيت بالمتاح، رغم تذبذب الكهرباء والمياه". ويضيف في حديث مع "أتر": "عادت بعض الدكاكين القليلة للعمل وانتظم أطفالي في مدرسة قريبة من البيت، لكن نعاني من الملاريا، حيث اصبت اولا ووجدت العلاج بصعوبة، ثم لاحقا أصيبت زوجتي واثنين من أطفالي". ويأمل أبوبكر أن تتحسن الأوضاع إلى الأفضل: "الأمور تتحسن لكن ببطء، هنالك أعمال للرش لكنها لا تغطي الأحياء كلها وما زالت معظم البيوت خالية من أصحابها، وحتى الذين عادوا من مناطق النزوح مازالوا قليلين مقارنة بعدد البيوت الخالية". يضيف: "الأوضاع الأمنية غير مستقرة، وشهدت الايام الأولى لعودتنا سرقات بواسطة أفراد يرتدون زي الجيش، لكن بعد فتح قسم الشرطة وانتشار أكبر للقوات الأمنية المختلفة، قلّت نسبة السرقات والانتهاكات" .

ويقول المواطن جمال سعيد إنه عاد بمفرده لاختبار الأوضاع، وسيعيد الأسرة كاملة بعد نهاية شهر رمضان. " وجدت سيارتي مشلعة ومن دون اطارات، سحبتها إلى أمدرمان للصيانة". ويضيف في حديثه مع "أتر": "ما زالت الاحوال في الدروشاب سيئة، خاصة من الناحية الصحية، حيث يعاني الناس من حميات مجهولة. هنالك فرق طوعية تعمل علي توزيع الإغاثة وتوفير العلاج للمرضي، وتعمل مستشفى علي عبد الفتاح ومركز صحي الدروشاب جنوب بأقل من طاقتها. أعداد العائديبن مازالت قليلة لكني اتوقع عودة الكثيرين بعد نهاية شهر رمضان وعطلة عيد الفطر".

ووصلت يوم 28 رمضان، بحسب شهود عيان، 70 باصا سياحيا إلى شمال بحري عائدة من بورتسودان وعطبرة وشندي.
تخبر إخلاص محمد من مواطني الدروشاب، أنها وجدت عناصر من الجيش مقيمين في منزلها مع كامل أثاث البيت، وبعد عودتها خلال يومين لم تجد سوي الجدران.

"تهدمت عشرات المنازل كليا أو جزئيا علي امتداد الشارع الرئيس جراء القصف المدفعي والطيران، نعمل على حصرها". يقول خالد ادريس، من لجنة حصر الموتي والمفقودين بمدينة الحلفايا ومن ثم يضيف في حديث مع "أتر": "حصرنا أكثر من ألفي حالة وفاة، ماتوا في زمن الحرب بأسباب مختلفة وأكثر من 60 مفقودا بما فيهم أسرى".

وتشكلت في مدينة الحلفايا مبادرات محلية أهلية لتبع عودة النازحين وأقامت احتفالا بالعيد وبرنامجا للدعم النفسي للأطفال. يخبر خالد، مراسل "أتر" بانحسار نسب الإصابة بحمى الضنك والجهد المبذول في أعمال النظافة والرش بالمبيدات أهليا ورسميا وأن بعض المستشفيات والمدارس الخاصة بدأت أعمالا للصيانة

معرض الصور