
لجان المقاومة ـ رحلة الاشواق طويلة
محمد طاهر احمد النور
عن لجان المقاومة، النشأة والتنظيم والحراك السياسي
المقال الأول: عن لجان المقاومة
مقدمة
بانطلاق زغرودة1 مواكب ديسمبر 2018 أعلن السودانيين الرغبة في إطلاق ثورة من أجل التغيير في البلاد ، اختار السودانيين خوض هذا القتال رغم علمهم المسبق - او على الاقل جزء منهم - بما يترتب عليه من تضحيات ودروب عسيرة لا بد من خوضها متحدين.
مثلت عملية التغيير التي قادها في ذلك الوقت تجمع المهنيين السودانيين2 حلماً للجميع ركض خلفه الشباب السوداني المشارك في الثورة بقوة وبصورة واسعة، حيث بدأ من تنظيم مواكب الأحياء والفعاليات المعلن لها من قبل التجمع، مروراً بتشكيل التنظيمات المحلية الداعمة للتغيير - لجان المقاومة - ومن ثم الانخراط في إنتاج مواثيق سياسية والعديد من عمليات المناصرة الساعية لإحداث التغيير، ظل شباب السودان يعمل بكل كد رغم اصطدامهم بعواصف من التحديات.
النشأة والتكوين
كانت من إحدى ابتكارات السودانيين المهمة في ثورة ديسمبر ـ إن لم تكن الأهم ـ هي إنشاء وتكوين لجان المقاومة والأحياء كتنظيمات قاعدية مهمتها قيادة الحراك والسعي لنشره وسط المجتمعات، في 8 فبراير 2019 أطلق تجمع المهنيين السودانيين الدعوة لتشكيل لجان المقاومة وابتدأ الشباب الثوري مباشرة في الاستجابة للدعوة وتشكيل اللجان.
تحدث تجمع المهنيين في بيانه المنشور بتاريخ 11 مارس 2019 بعنوان (بناء لجان المقاومة وتنظيمها طريقنا لإسقاط النظام) عن أنه وبرغم توفير وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت لوسائل جديدة للحشد والاستنفار الشعبي إلا أنها تعد قاصرة في بلادنا وأن عملية التغيير تعتمد بالأساس على قدرة الجماهير على المبادرة والتنظيم وهو ما يجعل عملية بناء لجان المقاومة واحدة من الحلقات المهمة في تنظيم الحراك الثوري وفقا لرابط بيان التجمع على صفحته الرسمية على منصة فيسبوك.
(تجمع المهنيين السودانيين
11 مارس 2019
بناء لجان المقاومة وتنظيمها طريقنا لإسقاط النظام (الحلقة الأولى)
منذ أن انطلقت ثورة شعبنا المجيدة في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨، كان شعارها ووسائلها هي المقاومة السلمية وصولاً لمرحلة الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل، ومن ثم إسقاط النظام وتفكيك مؤسساته الشمولية وبناء البديل الديمقراطي.
المقاومة السلمية ليست بفعل اعتباطي عفوي وإنما تعتمد بالأساس على مقدرة جماهير شعبنا على المبادرة والتنظيم المتوفرة والمتجذرة في ثقافته وتجاربه السابقة، فالنفير الذي ينتظم بصورة راتبة في القرى والحضر هو خير مثال لقدراتنا الكامنة، فتقوم اللجان بالإضافة لما سبق باستلهام وإبداع وتطوير الأدوات بناءً على مستجدات العصر وخبرات الأجيال الجديدة.
وفرت مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت وسائل جديدة في عملية الحشد والاستنفار الجماهيري والثوري، ولكنها تظل محدودة وقاصرة في واقع بلادنا المتخلف نتيجة عصور الظلام التي نعيشها بفعل النظام. لذا فإن واحدة من الحلقات المهمة في عملية تنظيم الحراك الجماهيري للوصول به لذروته في الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل هي عملية بناء لجان المقاومة في الأحياء وأماكن العمل والدراسة. بناء وتنظيم وتشبيك لجان المقاومة يسرع باسقاط النظام، كما أنه يرسخ لمبدأ القيادة الجماعية لثورتنا المجيدة، وتمثل أيضاً سداً منيعاً أمام أي محاولات لسرقة منجزات الثورة أو مناورات الثورة المضادة التي تلازم أي عملية ثورية تسعى للتغيير الجذري في أي مجتمع.
لجان المقاومة في الأحياء وأماكن العمل وتشبيكيها لخلق قيادة موحدة تنسق مع...)
المصدر: صفحة تجمع المهنيين السودانيين
بعد ذلك تحدث تجمع المهنيين السودانيين في بيان لاحق عن تعريف لجان المقاومة وأدوارها حيث قال في التعريف:
"لجان المقاومة هي أجسام صغيرة ومنظمة تقود عمل المقاومة السلمية للنظام من أجل إسقاطه في مكان السكن أو العمل وهي تضم أي شخص رافض ومناوئ للنظام بغض النظر عن الانتماء السياسي لحزب محدد أو عدمه"
حدد البيان عدد من المهام التي يمكن أن تؤديها لجان المقاومة متمثلة في توعية سكان الحي بضرورة الثورة والتغيير والمشاركة فيها، تقديم العون والخدمات لسكان المنطقة، تنظيم التظاهرات ضد النظام ووضع المتاريس والحواجز لحمايتها من القمع وتوثيق فعاليات عمل المقاومة السلمية ومهام أخرى. ووضع البيان شكلا من أشكال التنظيم وسمى عدد من المكاتب الضرورية لتشكيل اللجنة بها يمكن الاطلاع عليه من هنا.
(تجمع المهنيين السودانيين
11 مارس 2019
بناء لجان المقاومة وتنظيمها طريقنا لإسقاط النظام (الحلقة الثانية)
لجان المقاومة هي أجسام صغيرة ومنظمة تقود عمل المقاومة السلمية للنظام من أجل إسقاطه في مكان السكن أو العمل، وهي تضم أي شخص رافض ومناوئ للنظام بغض النظر عن الانتماء السياسي لحزب محدد أو عدمه. تكوين لجان المقاومة يضمن تنظيم وتنسيق العمل المقاوم ومشاركة أكبر عدد من المواطنين فيه، ويسهل تكوينها في مكان السكن أو العمل نسبة لتشابه القضايا وسهولة التواصل بين الأعضاء.
كيفية تكوين لجنة مقاومة في المربع السكني:
- تكوين لجنة المقاومة في المربع السكني يكون من قاطني المربع المبادرين المعارضين والرافضين للنظام والراغبين في إسقاطه من أجل قيادة بقية سكان المربع للمشاركة بشكل منظم في العمل المقاوم.
- من المهم في تكوين لجنة المقاومة في المربع السكني معرفة وثقة أعضاء اللجنة الجيدة ببعضهم البعض، كما أنه من الضروري ضم الشخصيات النوعية ذات الخبرة في العمل العام إذا توفرت.
- أشكال تنظيم لجنة المقاومة تتفاوت حسب الظروف المحيطة في المربع أو الحي السكني واحتياجاته.
- يتوافق أعضاء اللجنة على خطة محددة لتوسيع العمل المقاوم والمشاركة فيه داخل المربع السكني وآليات لتنفيذ الخطة، بناءً على الخطة الموضوعة يتم تقسيم المهام التنظيمية داخل اللجنة، كمثال: ...)
المصدر: صفحة تجمع المهنيين السودانيين
الهيكل التنظيمي:
الفقرات المرفقة أعلاه هي من منشور تجمع المهندسين السودانيين "الذي يعد جزءا من مكونات تجمع المهنيين السودانيين ـ"في مارس 2019 بخصوص تنظيم لجان المقاومة وهيكلها، اشتمل الهيكل وفقاً لرؤية التجمع حينها على:
مسؤول تنظيمي: يقوم بمهام التنسيق بين أعضاء اللجنة ومتابعة إنجاز المهام.
مسؤول مالي: يتولى مسؤولية جمع التبرعات المالية.
مسؤول دعائي: يتولى مسؤولية تنفيذ الخطة الدعائية والدعوة للمشاركة في التظاهرات.
مسؤول تأميني: يقوم بتأمين أعضاء اللجنة ومسارات المواكب والمخاطبات.
مسؤول خدمات: تنفيذ خطة الخدمات لسكان الحي للتكثيف من عمليات رفض اللجان الشعبية التي كانت تتبع للنظام البائد حينها.
مسؤول تنسيق: يتولى التنسيق والتشبيك مع اللجان الأخرى.
سرعان ما تشكلت اللجان في الأحياء والقرى والفرقان وتطورت الهياكل مستقبلا لتصبح بالمكاتب بدلاَ عن المسؤولين واعتمدت اللجان الهيكل الأفقي القائم على مشاركة الجميع في القيادة والتنظيم والتخطيط واتخاذ القرارات دون تفويض لاشخاص أو مكتب بعينه فكان القرار النهائي للجمعية العمومية المشكلة من كل العضوية وهي من تتولى توزيع التكاليف على المكاتب، لاحقاً تطور العمل التنظيمي لينتج ما عرف بالتنسيقيات وهي عبارة عن مجموعة من لجان الأحياء تعمل مع بعضها البعض في جسم تنسيقي مشترك لتحقيق أهداف مشتركة.
شهدت الخرطوم ـ نسبة لانها كانت مركز الحراك السياسي والسلطة تطوراَ ملحوظاَ للجان المقاومة لكن ذلك لا ينفي أنه وفي ذات التوقيت تشكلت اللجان على مستوى ولايات السودان المختلفة من الشرق للغرب والوسط وجسدت حراكاَ جماهيريا عظيما في تلك الولايات ،حيث كان تجمع اللجان الثورية عطبرة أعلن عن تشكيل لجان الأحياء استجابة لدعوة تجمع المهنيين وشهدت عطبرة حراكا قوياَ ضد النظام البائد، في مدني أيضاَ تشكلت لجان المقاومة وكذلك في مدن أخرى كالأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان والفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور وعدد من الولايات والمدن الأخرى، ساهمت اللجان في الولايات في توسيع الحراك الثوري مما أضفى طابعاَ قومياَ إلى ثورة ديسمبر المجيدة.
باستمرار حراك ديسمبر استمرت اللجان في التطور والتنظيم وابتكار وسائلها بصورة مستقلة عن تجمع المهنيين، وتشكلت لجان في معظم مناطق السودان بأشكال مختلفة وعلى فترات زمنية مرتبطة بتمدد خطاب الثورة.
ساهمت لجان المقاومة بصورة مباشرة في تمديد رقعة الحراك ضد النظام،ساعدها على ذلك طبيعتها اللا مركزية ما أدى إلى انتشارها الواسع في كل مناطق السودان.
العضوية:
انبنت عضوية لجان المقاومة في بواكيرها على عنصر الثقة بين أفرادها نتيجة للتضييق الأمني الممارس من قبل النظام، حيث كانت العلاقات الشخصية أو العلاقة المرتبطة بين الافراد على أساس التنظيم الحزبي أو النقابي خياراً اولاً في الدعوة للإنضمام بالإضافة إلى صفة الثورية وعدم الإنتماء للنظام البائد شرطان مهمان للانضمام مما ساعد مؤخراً في توسع اللجان لتشمل افراداً من خارج دائرة المعرفة الشخصية والحزبية.
لا ينبغي لوم اللجان على اختيار العلاقات الشخصية والثقة كأساس لعضويتها في ذلك الوقت فالوضع الأمني ووحشية النظام تجاه الثوار استدعتهم للجوء لهذا الخيار، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الشخصية والحزبية هذه مثلت عائقاً رئيسياً يواجه اللجان مستقبلا، فقد تشكلت بناءً عليها مجموعات و"شلليات" داخل اللجان ترغب في تمرير مصالحها الحزبية أو الايدولوجية على حساب المصلحة العامة وهو ما يتناقض مع جوهر اللجان كونها جهات مستقلة في رأيها السياسي .
يكثر الحديث عن الجانب التنظيمي لمجموعات لجان المقاومة مما يضعني في خيار التركيز عليه في مقال منفصل من هذه السلسلة ، لكن بما لا يدع مجالا للشك فكل التحولات التنظيمية التي مرت بها تحسب في خانة التطور التنظيمي لا العكس ويجعل دراسة ظاهرة لجان المقاومة أداة مقاومة استطاعت أن تقود الحراك الثوري وتحقق الزخم الجماهيري الذي أى بنهاية المطاف إلى سقوط نظام الإنقاذ دراسة مفيدة للحراكات الثورية في العالم. من المهم أيضاً النظر إلى التجربة ككل بنجاحاتها، وإخفاقاتها والدروس المستفادة، لأن طريق النضال نحو الحكم الديمقراطي طويل ومن الضروري استصحاب العبر والقيم.
استطاعت لجان المقاومة على وجه السرعة كشف ادعاءات النظام البائد التي ظل يرددها بأنه مسيطر على المجتمعات المحلية ونافسته بشراسة في المجتمعات المحلية التي اتضح جليا سيطرته عليها عبر الدولة وسطوتها لا عبر البرنامج السياسي وقوة خطابه، سرعان ما أثبتت لجان المقاومة هشاشة خطاب المؤتمر الوطني وانتهازية عضويته على مستوى الأحياء مما يمهد لانتزاع شرعيته واقتلاعه من الحكم.
بالرغم من إخفاقات التجربة إلا أنه يمكن الجزم بأن آلية التغيير من الأسفل وتجربة الحكم المحلي المتواضعة التي خاضتها وبلورتها لجان المقاومة خلال ثورة ديسمبر وفي السنوات الأربعة التي تلتها حتى إندلاع الحرب في أبريل ٢٠٢٣ أثبتت فاعليتها وديمقراطيتها. بالرغم من شهادتي المجروحة، لكن يمكنني القول أنه يحق للسودانيين الفخر بهذا الابتكار فقد مثل برغم بعض علاته، نقلة حقيقية في حراك المجتمع السوداني المتواصل ضد الدكتاتوريات، البدء من أصغر وحدة للدولة وخوض الصراع مع المؤتمر الوطني مباشرة في مجتمعات الأحياء والسعي لإيصال صوت من لا صوت له من السودانيين وتغيير قاعدة التمثيل الفوقي المبني على كثافة الدرجات العلمية هي نقاط قوة حقيقية اضافتها مجموعات لجان المقاومة لحراك السودانيين نحو الديمقراطية.
نخلص من الحديث عن النشأة والتكوين الى أن لجان المقاومة هي فاعل اضافي للحراك السياسي السوداني، من ابتكارات ثورة ديسمبر المجيدة، غيَرت في كثير من قواعد اللعبة السياسية، كأي فاعل حديث مرت بتحولات عظيمة على المستوى التنظيمي والسياسي لكن لتسارع وتيرة الحراك منذ 2019 يمكن القول بأنه توجد سرعة رهيبة في تلك التحولات، عليها ما ليها من المآخذ والزلات ولها الكثير من الانجازات، سأسعى للاشارة للتحولات التنظيمية والمواقف السياسية ويمكن الخوض أيضا في أخطاء التجربة وغير بعيد عليكم أن جميعها رأي شخصي للكاتب قابل للتصويب والنقد وليس هو الصحيح المطلق.
هوامش:
اتسمت انطلاقات مواكب ثورة ديسمبر بالزغاريد في تمام الساعة الواحدة ظهراً
اعلان التجمع لموكب التنحي وتحويل وجهته من البرلمان للقصر الجمهوري مطالبا بتنحي الرئيس المخلوع وحكومته في 25 ديسمبر 2018
(https://www.facebook.com/share/wiW5LTLEPCkD8vao/?mibextid=WC7FNe)