
فتحية.. طبيبة آمنت بالحياة في زمن الموت
متابعات مواطنون
في زمن الحرب، هناك أبطال لا يحملون السلاح، بل يصنعون بطولاتهم بالمواقف. ليس بالرصاص، بل بلمسة رحيمة، بكلمة طيبة، بسهر لا ينقطع على من يحتاجونهم.
لم تكن الدكتورة فتحية أحمد عبد الماجد اسمًا معروفًا لكثيرين، ولم تكن تبحث عن الأضواء. لكنها كانت شعلة من النور في أحلك الأيام. طبيبة الأطفال وحديثي الولادة التي رفضت المغادرة، رغم أن الحرب أغلقت كل الأبواب وأبقت باب الموت مفتوحًا على مصراعيه.
"لن أغادر.. لن أترك الأطفال وحدهم."
هكذا قالت، وهكذا فعلت. بقيت عندما رحل الجميع. بقيت رغم القصف، رغم الخطر، رغم انعدام الأمان والدواء والغذاء وحتى الكهرباء. في مستشفى البلك بمدينة أم درمان، حيث تحولت الأروقة إلى خطوط مواجهة، كانت هي هناك، تسند الحياة بيديها العاريتين، تحمل سماعتها الطبية كدرع، وتقاتل المرض واليأس بابتسامة وصبر لا ينفدان.
لم تكن فقط طبيبة تعالج الأطفال، بل كانت أمًا لهم جميعًا. تهدهدهم وسط صوت المدافع، تربّت على أكتاف الأمهات المكلومات، وتقاوم الانهيار حين لا يكون أمامها سوى القليل لتقدمه.
لحظة اعتراف.. دموعٌ وامتنان
بعد ما يقارب عامين من هذا الصمود، لم يكن هناك تكريم يليق بفتحية سوى دموع زملائها وأطفالها الذين أنقذتهم من براثن الموت. في صباح الخميس، 27 فبراير 2025، كانت تمشي كعادتها إلى المستشفى، لم تكن تتوقع شيئًا. لكنها وجدت الجميع بانتظارها، وجوهًا تعرفها ووجوهًا لم ترها من قبل، تصفيقًا صاخبًا ودموعًا صامتة، حلويات بسيطة وزهورًا تعبر عن الامتنان، وكلمات لم تستطع أن تحبس دموعها أمامها.
لم يكن مشهدًا عابرًا، بل لحظة إنسانية نادرة، لحظة اعتراف ببطولة امرأة لم تضعف، لم تتراجع، لم ترفع الراية البيضاء.
نقابة أطباء السودان لم تفوّت الفرصة لتكريمها، فكتبت في بيانها:
"لقد قدمت الممكن وبعض المستحيل لأطفال محلية كرري في ظل الظروف الصعبة وقلة الإمكانيات. تكريم يتحدث عن نفسه، يعبر عن الحب المتبادل بين العاملة في المستشفى والمحتفى بها. الدكتورة فتحية هي مفخرة لكل الأطباء، ومثال حي لتفانيهم في خدمة شعبهم، ردًا لجميل هذا الشعب العظيم."
فتحية ليست فقط طبيبة، هي رمز لصمود كل من بقي رغم الخوف، لكل من جعل من مهنته رسالة حياة، ولكل من يؤمن أن الإنسانية لا تموت، حتى في زمن الحرب.