09/12/2024

الولايات المتحدة الأمريكية في ``متاهة`` ملف سلام السودان 2/2

خالد ماسا

لما كانت الولايات المتحدة الأمريكية منغمسة حتى أُذُنيها في العملية السياسية بثقل "الآليه الرباعية" بغرض كتابة السطور الآخيرة في ملف أزمة السودان يبدو وأن السيد السفير الأمريكي لم يكن مشغولا بأكثر من الطقوس الإحتفالية والقاء كلمته الإحتفاليه في الخامس من ديسمبر 2022م عند توقيع "الإتفاق الإطاري" آملاً في إنهاء مهمته الصعبه في السودان وهو الذي لم يقرأ جيداً في تاريخ الاتفاقيات السودانية والتي تقول بأن "الشيطان في التفاصيل" وأن إطار الإتفاق لن يضع الأغلال على يد الشيطان الذي أطل في الخطوة قبل الآخيرة في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري والتي على الرغم من أنها أرسلت أكثر من صافرة إنذار إلا أن أُذني الولايات المتحدة الأمريكية أصابها الصمم وسمعت بالحرب صبيحة الخامس عشر من أبريل باصوات المدافع والطائرات الحربية مثلها مثل كل من فاجأتهم الحرب في يومها الأول.

كان الملف السوداني ملفاً "ثانوياً" في إهتمامات جيفري فيلتمان المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي والذي أعطى جل إهتمامه لما يحدث في أثيوبيا "سد النهضة" وحرب إقليم التقراي للحد الذي إعتقد فيه بأن زيارته الخاطفة للخرطوم والجلوس مع رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ستكون كافية تماماً لإقالة عثرات حكومة الإنتقال التي إنهارت بانقلاب 25 اكتوبر بعد ساعات من إجتماعه مع المذكور فرفع راية الإستقالة البيضاء بعد إنهيار الاتفاق الكسيح بين قائد الجيش ورئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك باستقالة الآخير.

فشل الولايات المتحدة الامريكية وقلة حيلتها في التعامل مع متاهة ملف السودان لن يكون حكماً متعسفاً إذا قرأنا في كُرّاسة إستمرار الحرب وإقترابها من إكمال عامها الثاني بكل تلك الانتهاكات والتجاوزات والارقام المخيفة في أعداد اللاجئين والنازحين وملامح تأثيراتها وتأثرها بالأقليم على الرغم من أن أمريكا لاعب أصيل في جهود إيقاف الحرب ولكن دون جدوى حتى كتابة هذه السطور وهذا الرأي يتطابق مع رؤية مؤثرين داخل مطبخ السياسة الامريكية عبرت عنه مساعدة وزير الخارجية للشؤون الافريقية مولي في والتي ترى بأن ملف السودان يستحق موظفين بخبرات ذات علاقة بهذا البلد الشيء الذي يؤكد زعمنا بتواضع تجارب مبعوثي الولايات المتحدة الخواص للسودان.

وعلى الدوام ظل للفشل أب واحد في السياسة الخارجية لادارة الديموقراطي المنتهية ولايته بايدن ولذلك دخلت الاستقالة الثانية من هذا المنصب مكتب وزارة الخارجية بتوقيع المبعوث ديفيد ساترفيلد وهو الذي لم يمضي أكثر من ثلاثة شهور مبعوثا لامريكا في القرن الافريقي.

في ملف "حرب أبريل" توقفت قدرات أمريكا عند حدود هُدن إستمرت لساعات لم ترق لمستوى إحترامها من طرفي الصراع فلجأت لتقديم خمر عقوباتها القديمة في قناني العقوبات الجديدة لتؤكد بذلك عدم قدرتها على الخروج من متاهة ملف السودان.

المُقلق في الأمر هو أن أمريكا دخلت في الايام الاخيره لولاية الرئيس الديموقراطي جو بايدن والذي سيغادر البيت الأبيض في العشرين من يناير المُقبل وبالتاكيد ستبدأ ولاية الجمهوريين بتصورات مختلفة تماماً عن ماتم فيى السنوات الأربعه المنصرمة وستكون القراءة فيها بعيون الرئيس دونالد ترامب أبعد من كونها ملفات تكتيك إنتخابي تُحصد به الاصوات فالحزب سيكون قد إلتقط إنفاسه من الماراثون الانتخابي وستفكر إدارته في التعامل مع ملف حرب السودان بطريقة تمكنها من الخروج من متاهة هذا الملف بسلام يحقق مصالحها في الاقليم ويعزز أقدامها في أرض لم تعد خالية من أطماع منافسيها.

ذخيرة الخبرات والمعارف التي توفرت لشخص مثل كاميرون هدسون وهو الاكاديمي والباحث المتخصص في الشؤون الافريقية والمسؤول في وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA والدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية ومدير مكتب المبعوث الخاص للسودان ومدير الشؤون الافريقية في مجلس الامن القومي بالبيت الابيض والمهتم جداٍ بملف السودان لم تُباعِد بينه وبين حالة التسطيح التي أصابت العقل الامريكي في تعاطيها مع هذا الملف المؤثر والحساس فاصبح مصدر المعلومات لديه هو الإحتطاب من غابة التطبيقات التفاعلية وشراك أخبارها المضللة وغرف صداها المليئة بركاكة ما يتداولة سابلة المدونين عن رشاوي قُدمت لسياسيين سودانيين وللصف المدني في تحالف (تقدم) وترك الإتزان المطلوب للتعامل مع مثل هذه الملفات وإنخرط في المواقف التي تستحلب العاطفة بالكتابه عن طريقة المصافحة عند التوقيع على إعلان أديس ابابا.

مالم تتحلل أمريكا وموظفيها من نوعية التفكير المذكور اعلاه وعمدت الى إصلاح حقيقي في ماكينة تفكيرها تجاه الملف السوداني فانها لن تغادر متاهتها وسيخسر فرس رهانها أمام منافسيها في القرن الافريقي فالعبره ليست في إستبدال طواقم الديموقراطيين بآخرين من الحزب الجمهوري داخل البيت الأبيض وإتباع ذات السبل وتوقع نتائج مختلفة.

تحتاج أمريكا لجيل جديد من السياسيين والدبلوماسيين جيل قادر على إصلاح الاعطال المركبه في سياسات الادارة الامريكية حيال الملف السوداني بقدرات أكبر من التي قدمها المبعوث الخاص توم بيريليو في مهمته الاخيرة والذي لملم أوراقه المبعثرة أمام صعوبة الحل لحرب السودان وغادر دون أي إنجاز يذكر.

معرض الصور