
خطاب الكراهية في السودان: وقود الانقسامات وتهديد الوحدة الوطنية
محمد غلامابي
لايوجد تعريف دقيق لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ لا يزال هذا المفهوم محل نزاع واسع، لاسيما فيما يتعلق بحرية الرأى، وعدم التمييز والمساواة، لكن الامم المتحدة وضعت تعريفا له يتمثّل في (الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة، أو فرداً، بناءً على خصائص متأصله، مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي، والتي قد تهدد السلم الاجتماعي). كما وضعت الأمم المتحدة ثلاث سمات محدّدة لخطاب الكراهية اولها مايمس (العوامل المحددة للهوية) الحقيقية أو المتصوّرة، للفرد أو المجموعة، بما في ذلك الدين ،أو الانتماء الاثني، أو الجنسية، أو العرق، أو اللون، أو النسب، أو النوع الجنسي، وثانيها (تمييزي متحيّز، متعصّب، غير متسامح، أو إزدرائي، إحتقاري، مهين، ومذل) للفرد أو المجموعة، اما ثالث تلك السمات هي (إمكانية نقل خطاب الكراهية) من خلال اي شكل من أشكال التعبير، بما في ذلك الصور، والرسوم المتحركة، والايماءات، والرموز التي يمكن نشرها عبر الإنترنت أو خارجه.
هذا المدخل ضروريا حين نأتي إلى فهم خطاب الكراهية وآثاره الكارثية متخذين من إنقلاب "البشير ـ الترابي" في يونيو 1989م نقطة بداية كبرى لهذا الخطاب، إنتهاء بحرب الخامس عشر من ابريل 2023م وما تلاها.
فإنقلاب البشير الترابي مثّل أكبر خطراً واجه الوحدة، والسلم الاجتماعي للسودانيين، وذلك لتبنيه خطاب ديني، ولغوي يقرّب مجموعات إجتماعية محددة، ويستبعد أخرى. وبهيمنة النظام على الكثير من وسائل الإعلام، عملت تلك الوسائل على تعميق الخلافات بين المكونات الاجتماعية للسودانيين، لتكون النتيجة الكبرى برأي لهذا الخطاب الكارثي هو ذهاب جنوب السودان في العام 2011م، وتكوين دولته المستقلة.
وعلى الرغم من أن ثورة السودانيين في ديسمبر 2018م حاولت مكافحة خطاب الكراهية حين رفعت شعار (يا عنصري، ومغرور، كل البلد دارفور)، وهو شعار ذكي، وواقعي، وبنّاء، خرج من وعي تلك الجماهير التي صنعت ثورتها، لكن بالمقابل فإن وسائل الإعلام في الفترة التي سبقت إنقلاب البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر للعام 2021م، فشلت في تبني خطاب موزون، ومحارب لخطاب الكراهية، فلم تسع إلى التنسيق فيما بينها والاجهزة الحكومية التنفيذية، أو مع منظمات المجتمع المدني كالأحزاب، والنقابات، وجماعات الضغط الفئوي، فتصاعد خطاب الكراهية من شكل مطلبي إلى جهوي كما هو الحال في "قفل" الشرق بواسطة الناظر ترك في مايو من العام 2019م، أو في أحداث النيل الأزرق في العام 2022م، أو تداعيات الصراع في دارفور منذ العام 2003م.
أما مع إنقلاب البرهان فقد توقّفت قرابة الثلاثون صحيفة، أو إذاعة، أو تلفزيون، مما فتح الباب أمام وسائل التواصل الاجتماعي لتشكّل الرأي العام، معتمدة احيانا على ميزة (عدم إظهار الهوية)، أو ظهور منصات لأفراد ومؤسسات تعمل على تغذية الانقسام وسط المجتمع بتبنيها لخطابات كراهية واسعة. وأزداد هذا الخطاب توسّعا مع حرب الخامس عشر من أبريل 2023م، حيث اضحت وسائل التواصل الاجتماعي ميدان جديد للحرب بين طرفي النزاع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ففي حين عمل الجيش على تحشيد أساسه التهديد العرقي للدعم السريع لمجموعات سكانية، قامت قوات الدعم السريع هي الأخرى على تحشيد على اساس قبلي، وأصبحنا نسمع، ونقرأ، ونشاهد على جميع منصات التواصل الاجتماعي خطابات غارقة في بث الكراهية بين المكونات الاجتماعية السودانية، مما يضع السودانيين أمام تهديد جدّي بإندلاع حرب أهلية.
ولمحاربة خطاب الكراهية، وسط وسائل الإعلام لابد من تكثيف الجهود المشتركة لكل المؤسسات الصحفية والاعلامية بتبني إستراتيجية إعلامية لمحاربة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام كافة، وسن القوانين والتشريعات التي تجرّم خطاب الكراهية وتعاقب عليه، ولكن تبقى التدابير القانونية غير كافية، إذ لابد من التزام وسط الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بتغطيات إعلامية تتصف بالمسؤولية والاخلاقية تراعي الحساسية لمجتمع متعدد، ومتنوع مثل المجتمع السوداني.